لا يصدق عاقل أن تركيا كانت مضطرة لإسقاط الطائرة الروسية وقتل قائدها عمداً، ولا توجد أي مقدمات بين البلدين لهذا العداء المفاجئ والتصريحات الحادة من الرئيس أردوغان بعد الحادث، وهو يهدد ويتوعد بضرب أي طائرة تخترق مجال بلاده، فقد كان أردوغان مع بوتين في موسكو في سبتمبر الماضي يفتتحان المسجد الكبير، والعلاقات بين البلدين تشهد منذ عامين تطوراً غير مسبوق.
كما لا يمكن تصور عدم إدراك القيادة التركية لتداعيات مثل هذا الحادث، ليس فقط على علاقاتها مع روسيا، بل على الأوضاع الإقليمية، خصوصاً في سوريا ومع نظام الأسد الذي يكرهه أردوغان ويسعى لإسقاطه، لكنه بضربه الطائرة الروسية، كافأ من دون قصد، نظام الأسد، بإهدائه منظومة (إس – 400) الروسية التي حرمت تركيا من التحليق فوق سوريا تماماً.
لقد شعر أردوغان بخطئه، وحاول إصلاحه بسعيه للاتصال ببوتين أو اللقاء معه، لكن مساعيه فشلت، ورغم هذا صمم على عدم الاعتذار الذي طلبته موسكو، رغم أن الاعتذار لن يكلفه شخصياً كثيراً، خصوصاً وأن بوتين كان صديقاً حميماً له بالأمس القريب.
بالقطع، تركيا ستخسر كثيراً بسبب هذا الحادث، وأردوغان يعلم ذلك جيداً، لكنه لا يستطيع إصلاح الخطأ، بل إنه من المتوقع أن يتمادى ويرتكب أخطاء مشابهة مع روسيا، وهذا ما يعكسه حادث محاولة سفينة تركية التحرش بسفينة حربية روسية في بحر إيجة الأحد الماضي.
على ما يبدو أن أنقرة لا تملك قرارها في التعامل مع روسيا، وأن القرار يملى عليها من واشنطن التي تسعى بجدية لجر روسيا لحرب تستنفد فيها قوتها العسكرية، خصوصاً ..
وأن هذه المحاولة يبدو أنها فشلت في أوكرانيا لرفض الأوروبيين لها وسعيهم للحل السلمي، لهذا لم يعد أمام واشنطن لهذه المهمة سوى تركيا بنظام أردوغان، أما بخصوص عضوية تركيا في حلف الناتو، فهذا ليس أمراً مهماً بالدرجة في ظل أوضاع الحلف المنقسم داخلياً بين قدامى كبار يرفضون التبعية لواشنطن ويرفضون عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وجدد صغار لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً.