يحلو للبعض أن يصف الوجود العسكري الروسي في سوريا بـ«الاحتلال»، وهو وصف أبعد ما يكون، ليس فقط عن المهمة التي تقوم بها العسكرية الروسية هناك، بل أبعد ما يكون عن روسيا كدولة وثقافة وأيديولوجية، وأيضاً كتاريخ عرف الكثير من الغزاة الذين حاولوا غزو روسيا وفشلوا..

ولم يعرف غزواً من روسيا لدولة أخرى، ولم تكن أفغانستان احتلالاً روسياً، بل كانت أشبه بكثير بما يحدث في سوريا الآن، استدعاء لحماية كيان دولة وسيادتها ومحاربة الإرهاب الذي كان يهدد روسيا أيضاً من أفغانستان، ومازال.

الأميركان جاؤوا إلى أفغانستان والمنطقة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ليحاربوا الإرهاب الذي لم يكن له وجود هناك آنذاك، ولم يخرجوا حتى الآن، وظهر الإرهاب مع قدوم الأميركان وانتشر في المنطقة وأصبح يهدد العالم كله.

روسيا تحارب في سوريا تنظيم «داعش» بالتحديد، والحديث عن استهدافها لتنظيمات أخرى أو لأهداف مدنية، لم تثبت صحته بأية أدلة أو صور، وحسب آخر الإحصاءات فإن هناك نحو ثلاثة آلاف مواطن روسي مجندين في صفوف تنظيم «داعش»، وعملية التجنيد لآخرين مستمرة، والتنظيم أعلنها مراراً وتكراراً أن روسيا على رأس أهدافه..

وأنه سيدخلها قريباً، وموسكو تعلم، بمعلوماتها الاستخبارية الموثوق منها، أن خصومها على الساحة الدولية يخططون لنشر الفوضى والإرهاب والتطرف داخل الأراضي الروسية، وأنهم سيستخدمون تنظيم «داعش» لهذا الهدف، ولهذا قررت روسيا الأخذ بمبدأ «الهجوم أفضل وسيلة للدفاع»، وانتهزت فرصة دعوة دمشق لها وذهبت بقواتها لتدحر الإرهاب في موطنه قبل أن يأتي إليها في أراضيها.

روسيا التي لا تعرف ثقافة الاحتلال، لن تبقى في سوريا كثيراً، والجيش الروسي يعلم جيداً أن عليه إنهاء مهمته هناك بنجاح وبأسرع وقت ممكن والعودة للوطن، ذلك أن الشارع الروسي ومؤسساته النيابية والمعارضة السياسية التي دعمت عن قناعة الذهاب لسوريا، لن تقبل البقاء هناك لمدة طويلة، والرئيس بوتين صاحب الشعبية الكبيرة داخل روسيا يعلم ذلك جيداً، وليس لديه استعداد للتضحية بشعبيته ولا بفرصته في دورة رئاسة رابعة.