أحد الأقوال العربية المشهور أن «لا أحد يموت جوعاً»، وهي مقولة تنطلق من أن الإنسان قادر على التكيف مع نمط العيش الذي يتوفر له حتى لو بعيش الكفاف أو أكل ورق الشجر، كما تذكر بعض القصص، وجميعها روايات لم تقارب بعد تلك الأجواء في مضايا السورية المحاصرة؛ حيث عزّ هناك كل شيء حتى لحم القطط؛ لأن الأرقام تقول -حتى كتابة هذه السطور- إن هناك أكثر من 25 حالة وفاة منذ بدء العام الجديد.

وكما أن الشيء بالشيء يذكر فإن عرب الجاهلية بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حاصروا من أسلم معه، وقاطعوهم في شعب بني هاشم في حصار امتد لنحو ثلاث سنوات، قبل أن يعود بعض العقلاء مطالباً بإنهاء الحصار الهمجي، والذي كتبوه بوثيقة وجدت بعد ذلك وقد أكلتها الديدان.

لكن الهمجية حتى في تلك الفترة الجاهلية لم تصل إلى ما وصل إليه حال مضايا السورية؛ فهي ليست فقط محاصرة بالجوع، ولكن بالبرد والقتل أيضاً لكل من يخرج، وهي حال لم يصلها من كانوا في شعب بني هاشم، الذين كانت قريش تقاطعهم تجارياً فقط.

ويبدو أن القوات التي تحاصر مضايا تستلهم الدروس من حصار سابق، وهو حصار ذو طابع عرقي كريه بغيض، حين فرضت القوات الصربية مدعومة من صرب البوسنة أطول حصار في التاريخ على العاصمة البوسنية سراييفو، واستمر قرابة 4 سنوات، وتحديداً 1425 يوماً، وقيل إن عدد القتلى زاد على 12 ألفاً من سكان المدينة المنهكة جوعاً وحرباً، ليعود الحصار ويطل علينا هذه المرة بنفس الرائحة تلك، التي تحول الإنسان إلى أحد وحوش الغاب بل أشد؛ لأن تلك الوحوش لا تفترس إلا عند الجوع فقط.

والسؤال الذي يبقى معلقاً: هل يكون المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة آخر من يعترف بأن هناك مشكلة أو قل كارثة إنسانية تحدث في سوريا، وأن الأمر ليس حرباً أهلية بقدر ما هو جريمة حرب دولية يعاقب عليها من يسمى المجتمع الدولي، الذي لديه اليوم محكمة خاصة بهذا الأمر مقرها مدينة لاهاي الهولندية؟!