مازالت أوروبا هي قلب العالم المتقدم، ومازالت هي بوصلة موازين القوى العالمية، وذلك على الرغم من تشكل وصعود قوى جديدة كبيرة مثل الصين والهند في آسيا، وبدون أوروبا ما كانت لتكون القوة العظمى الأميركية التي فرضت هيمنتها على القارة بعد الحرب العالمية الثانية بموجب مشروع مارشال.
في الوقت نفسه شكلت أوروبا نقطة ضعف بالنسبة لروسيا السوفيتية، حيث لم يكن للاتحاد السوفييتي في هذه القارة الأم سوى بضع دول ضعيفة اقتصادياً وسياسياً، ولهذا، ومع الصعود الروسي في مطلع الألفية الثالثة ومجيء فلاديمير بوتين للكرملين، كانت أوروبا هي الهدف الرئيسي لموسكو..
وكانت خطوط الغاز الممتدة من روسيا إلى قلب القارة، وفتح أسواق روسيا للمنتجات والاستثمارات الأوروبية، هي بداية التقارب، ثم كان تقارب روسيا من دول القارة واعتبار نفسها جزءاً منها، وإثارة موسكو لموضوع الأمن المتكامل لأوروبا بمشاركة روسيا، ومن هنا بدأت واشنطن تشعر بالقلق والشكوك تجاه نوايا روسيا في سحب البساط من تحت أقدامها وإزاحتها من أوروبا، خاصة ..
وأن واشنطن لاحظت تجاوباً مع روسيا من قبل دول أوروبية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرهم، ومع الأزمة المالية عام 2008 وتخلي واشنطن عن مساعدة الأوروبيين بسبب معاناتها هي من الأزمة، ولجوء دول أوروبية لطلب المساعدة من روسيا، زاد التقارب الأوروبي الروسي، وزاد القلق الأميركي.
وجاءت الأزمة الأوكرانية كانعكاس واضح للصراع بين موسكو وواشنطن على القارة الأوروبية، ويفسر هذا التشدد الأميركي الواضح في هذه الأزمة وتصميم واشنطن على استمرار العقوبات ضد روسيا، في الوقت الذي تتقارب فيه واشنطن مع موسكو في أزمات أخرى هامة مثل النووي الإيراني وسوريا.
ورغم أن الأوروبيين، أصحاب الشأن في الأزمة الأوكرانية أكثر من واشنطن، لا يريدون صداما مع روسيا ويبذلون أقصى جهودهم من أجل الحل السلمي للأزمة، إلا أن واشنطن تصر على صب المزيد من الزيت على النار وإشعال الأزمة الأوكرانية، ذلك لأنها تعلم جيداً أن هذه هي فرصتها الوحيدة للانتصار على روسيا والاحتفاظ بالهيمنة على القارة الأوروبية.