تمارس واشنطن ضغوطاً قوية على دول أوروبا، بهدف منعها من التقارب مع موسكو، ولهذا، أجبرت عدة دول أوروبية على فرض عقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا، واستعادة روسيا شبه جزيرة القرم، ولكن الأوروبيين توقفوا عن فرض عقوبات جديدة، بعدما سببت لهم العقوبات خسائر كبيرة، وبعد أن استيقنوا نوايا واشنطن تجاه روسيا، والتي من الممكن أن تشعل التوتر والاضطرابات داخل القارة الأوروبية، إذا ما اشتعل النزاع في أوكرانيا، ووصل لحد الحرب الواسعة.
هناك عدم ثقة واضح من الأوروبيين تجاه واشنطن، خاصة الكبار أو القدامى منهم، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم، وينعكس في رفضهم لفرض المزيد من العقوبات على روسيا، وسعيهم لرفع العقوبات الحالية في أقرب وقت ممكن، الأمر الذي يضطر واشنطن إلى السعي تجاه دول أوروبا الصغيرة، أو الجديدة، على حد وصف الأميركيين لها..
وهي دول شرق أوروبا الخارجة من عباءة المعسكر الاشتراكي السابق، مثل بولندا وبلغاريا وألبانيا وجمهوريات البلطيق الثلاثة (أستونيا وليتوانيا ولاتفيا)، وتواجه واشنطن مشكلة داخل هذه الجمهوريات الجديدة..
وهي أن شعوبها حلمت بالرفاهية والحرية في أحضان الغرب، بعد تحررها من المعسكر الشيوعي، لكنها لم تجد ما تمنت، بل زادت أحوالها الاقتصادية والاجتماعية سوءاً، ولم تجد أي مساعدات، لا من واشنطن ولا من الاتحاد الأوروبي، كما جاءت العقوبات ضد روسيا لتزيد أحوال هذه الدول سوءاً، بعد غلق السوق الروسية المجاورة لهم أبوابها في وجه بضائعهم..
ولم تجد واشنطن وسيلة لإقناع هذه الدول وشعوبها بالتحالف معها، سوى بتخويفها من روسيا، وإيهامها بأن موسكو تخطط لغزوها واحتلالها، ورغم أن شعوب هذه الدول ليست بالسذاجة لتصدق مثل هذا الكلام..
إلا أن الأنظمة الحاكمة في هذه البلاد، صاحبة الولاء لواشنطن، تروج لهذه الادعاءات، وتفتح أراضي بلادها لقوات حلف الناتو، ولمنظومات الدفاع الصاروخية الأميركية الموجهة نحو روسيا، الأمر الذي يضطر روسيا للرد بتحريك ترسانة أسلحتها الاستراتيجية نحو أوروبا، ما يزيد من التوتر والاضطرابات في القارة العجوز، وهذا ما تريده واشنطن، لإعادة عزل روسيا عن أوروبا.