يقال إن الإنسان إذا عرف الموسيقى لا يدخل الشر إلى قلبه. هل لأن الموسيقى تهذبه، وتعمّق فيه المشاعر الإنسانية، وتجعله شفافاً. تخف عنده نزعة الشر ونسبة العدائية تجاه الآخرين؟ ربما. بتقديري، الفنون كلها تقوم بالدور ذاته. تعمل في هذه المنطقة الجوهرية من النفس البشرية، بيد أن كأس الموسيقى، في مصفوفة الفنون، هي المعلّى. إشارة أخرى في هذا المعنى لدى الشاعر وليم شكسبير، في قوله: «احذروا هذا الإنسان، فإنه لا يقرأ الشعر، ولا يستمع إلى الموسيقى».
شهادة أخرى تشي بأن الفنون تعزز القيم الحميدة والإيجابية لدى الإنسان. لكن ليس الجميع نمّى شغف الفنون في نفسه، وأقبل عليها يمتح منها. الكثير لا يهتم بها، والقلة يتنبّه لها في وقت متأخر من حياته، ليعي بأنها فضاء مريح وممتع.
وإذا كانت الفنون، في رأسها الموسيقى، هي الوجه الأول لفضاء الإبداع، فإن الوجه الثاني له هو القراءة والكتابة. ثمة افتراض سائد بأن الكتابة خيرٌ من القراءة، وعليه، فإن الكاتب مقدّم على القارئ. يا له من خطأ لا تدبّر فيه. شخصياً، أودّ القرّاء أكثر. أجد فيهم مشروعات كتّاب مجيدين، لكتابة رشيقة ماتعة. هي غائبة بشكل ما.
من القواعد الذهبية المبكرة، تحذير يقول: لا تقرأ لكاتب لا يقرأ، وإن فعلت أضعت وقتك وجهدك. فالكاتب محدود الثقافة لا يزيد في ثقافة قارئه. إن الكاتب، مهما أجاد، يظل محدوداً، كونه يكتب ما يستطيعه فقط. بينما القارئ على العكس؛ يقرأ ما يشاء في كل الميادين. لاحقاً، قد يسأل سائل: أيهما أوسع إدراكاً من الآخر؟
إن العمر القرائي للفرد، قدروه بـ 25 سنة أو 30. فأنّى له الوقت ليقرأ في الاقتصاد والفلسفة والاجتماع والأدب؟ عليه هنا التحديد، ولا بأس من التنويع بغية التغيير والتجدّد. ثمة من يقرأ الكتب التي تشغفه. وثمة من يقرأها كواجب. والأخير هو أسوأ طرق القراءة، وأقلها فائدة ربما. الكتب أطعمة شهية.