ويحكى أنّ فراشات سحرية تخرج عند الفجر من شرانق الحرير، تلك، المثبتة على مستديرة «المركز التجاري» في دبي (هل شاهدتموها مؤخراً؟). وكانت قد شاعت عنها الأخبار، وعبرت الأمصار، وجاوزت القفار، ولم تخلّ صفحة على «فيسبوك» من دون أن يتم التطرق لها، ليل نهار. وتسحّب الرجل، قبل الفجر الأول، من بيته، لكي يشاهد الفراشات التي تخلب ألوانها العقول، ويدوم جلالها ويطول، لكنّه التقى في الطريق بشجرة حمراء، مزهرة، نارية، متوهجة، كأنها قد قذفت لتوها من بركان الذهب. وتوقف إلى جانبها، ووضع أذنه على جذعها.

وسمع بكل اللغات وكل اللهجات كلمة: «الله»، تمجّد الجمال والنعمة. كانت الشجرة قادرة على أن تلتقط كل كلمة غزل تقال فيها، وتخزنها، في شرايينها، لكي تسمعها، ترانيم مهيبة للأعزاء القادرين على زيارتها عند الفجر. لكن الرجل تلهى، ونسي أمر الكرات البيضاء عند المستديرة، وحين وصل، ركن سيارته في زاوية في شارع الخدمات في طريق «الشيخ زايد»، وترجّل لكي تشعّ الشمس منعكسة أضواؤها عبر زجاج يكسي البرج، وتصب في عينيه. عرف أنه فوّت الفرصة.

وفي الفجر الثاني، قرر أنه لن يلتفت لا يميناً ولا يساراً، لكنّه، وفي مروره في «شارع الجميرا» لمح في السماء منطاداً باهي الألوان. كان يرتدي حلة قوس قزح، وبدا كأنه يزرع في الغيمات صناديق بريد، ممهورة بأسماء كل الدول. لم يستطع أن يشيح بنظره، كان بوسعه أن يحصي مئة علم وأكثر، مئة صندوق بريد وأكثر، وكانت «المكاتيب» تخرج منها كأنها حمام يرفرف. وحين وصل إلى المستديرة، عرف مرة جديدة أنه فوّت اللحظة السحرية، تلك التي تكسي فيها أشعة برونزية العشب الأخضر، معلنة عن الشعاع الأول، حينها فقط تخرج الفراشات السحرية من شرنقتها!

في الفجر الثالث، صمم أنه لن يناظر السماء، بل هو استأجر غرفة في فندق «مونارك» الأقرب إلى المستديرة، كي يسهل عليه الوصول إليها من دون عناء ولا تلهي..

كان المشهد مذهلاً: فراشات بكل ألوان الطيف، تكتسي بأعلام الكون، متوهجة الأطراف، مزهرة الرؤوس، على أجنحتها خطوط وكلمات، سير وحكايات، أيام وذكريات.. فراشات مستديرة «المركز التجاري» تطير سراً في لحظة الفجر الآسرة كل يوم، قاطعة المسافات بسرعة الضوء، تزور بلاد الدنيا، تخبر الحكاية. حكاية دبي!