بعد أن تدثروا بقماش أبيض قليل، إذ إن أجسادهم الضئيلة لا تحتاج إلى أكفان كثيرة، وبعد أن أودعوا التراب، الذي لم تمض حياتهم بعيداً عنه طويلاً، يتوجب طرح الكثير من الأسئلة التي تطال جهات عدة.
في البدء: المراقبون الدوليون، من المفيد أن نبدأ بطرح الأسئلة، والتي وإن تجاوزت الآن سؤالًا عن السبب الجوهري لوجودهم في أرض سوريا، يجب أن تتوقف عند آليات عملهم. ففي ليلة المجزرة، وإن ثبتت المعلومات، تم الاتصال ببعضهم استنجاداً واستغاثة ومداً بالمعلومات، فإذا به «نائماً» عند العاشرة مساء، وفي الصباح التالي «غافياً» عند الثامنة صباحاً! يقول أحد المسؤولين الميدانيين في «الثورة السورية»، إن المراقبين رفضوا دخول قرية «الحولة»، قبل ساعات من وقوع المجزرة، رغم إبلاغهم بأن قصفاً عشوائياً يطالها. هل كان دخولهم سيؤمن السكان؟ هل كان سيمنع المجزرة التي اتخذ سفاحوها من القصف غطاء لهم؟ وماذا عن السلامة الشخصية لأعضاء البعثة؟ هل كان يتوجب عليهم المخاطرة بحياتهم من أجل إنقاذ الأبرياء؟ وهل هم، أصلاً، في مرمى نيران النظام السوري؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى توضيح، لكن أمراً جوهرياً يصح التوقف عنده: كيف ارتضت «الأمم المتحدة»، في الأساس، شرط النظام السوري بتقييد حركة بعثتها، خلال الليل، فيما هو دأب، منذ قدومها إلى دمشق، على ارتكاب أقسى عملياته بحق الأبرياء والعزل تحت جُنْح هذا الليل الحالك، كما لون الموت؟!
وماذا عن تقرير بان كي مون، الذي سبق المجزرة بساعات، متحدثاً عن «عمليات إرهابية»؟ هل أعطى ذلك للنظام السوري جرعة من «الشجاعة» مكنته من المضي قدماً في سياسة إفناء وتهجير الناس؟ وما هي المعطيات التي استند إليها كي مون لكي يخرج بهذه الخلاصة، التي تتطابق مع ادعاءات السلطات السورية، التي ما فتئت ترددها منذ عام ونيّف؟
هل تصوير سفن السلاح التي تفد إلى موانئ طرطوس جزء من تلك «الأرشفة» التي يقوم بها أعضاء هذه البعثة، والتي لا نعرف إلى أين ستؤول ألبوماتها في النهاية؟ أم أنهم يتعاطون مع هذا الملف بوصفه «سياسياً» وليس «أمنياً»، وبالتالي هو خارج صلاحيات رصدهم؟
ما بعد المجزرة، أسئلة كثيرة يجب أن تطرح، طالما الإجابات مخضبة بدم الأمهات والأطفال!