أقرأ في «نساء البساتين» للتونسي حبيب السالمي، وقد طبعت للمرة الأولى في بيروت عن دار الآداب، قبل شهور قليلة من الثورة التونسية، الأمر الذي فتح أبواب التأويل حول «الحس التنبؤي» للكاتب، و«استشراف المستقبل» وغيرهما من المصطلحات، التي استخدمت في مطالعات نقدية تطرقت للرواية. كنت قد اطلعت على جزء من هذه الكتابات قبل المضيّ بقراءة الكتاب، وأعترف أن حماستي قد فترت لاقتنائه، كما هي عادتي تجاه كل ما يفتي بأنه «تنبأ» أو «سبق عصره»، كما أن بعض النقد يجزم أحياناً بما لا يرمي إليه الكاتب، ويزايد على مقاصده، بل يصبح الناقد «ملكاً أكثر من الملك» نفسه.

المهم، أنني التقطت الرواية، بعد شهور طويلة، تخلصت فيها من أحكام النقاد، لأغوص في عالم الراوي، الذي يعود بعد سنوات من الهجرة إلى تونس، وتحديداً إلى بيت أخيه في «حي البساتين» المتواضع. تمضي الأحداث في رحلة تنقّل موازية لارتحال نفسي، يخوضها البطل، الذي يتخذ دور المراقب الواصف لأحوال الشعب التونسي، والبلاد، قبل شهور من اللحظة التي أحرق فيها بائع خضار بسيط جسده، لتهب روح الثورات في العالم العربي (من المفيد دوماً التذكير بهذا الحدث، في ظل محاولات تشتيت وتمويه وتزوير البداية الحقيقية لثورات الربيع العربي).

«ما ثمة شعب في هذه الدنيا مثل الأميركان، كل شيء عندهم ممتاز.. حتى سجائرهم حلوة.. مشكلة الأميركان الوحيدة في سياستهم مع العرب والمسلمين..»، ترد هذه العبارة على لسان الأخ الأكبر للراوي، عضو «حزب التجمع»، الذي تمكن من تحقيق ثراء لافت، بسبب انتسابه للحزب.

 نجيب كمون، شخصية ثانوية أخرى، تمتّ بصداقة قديمة للبطل: «الشباب تراهم في الأسواق كل يوم يطاردون السائحات، بعضهم متخصص في ملاحقة الشواذ ولا يعيش إلا من هذا، تونس صارت على ما يبدو في الأعوام الأخيرة جنة لأمثال هؤلاء»، يشير الكاتب على لسان الشخصية إلى إحدى المظاهر السلبية التي أفرزتها السياحة. ولا يتوقف عند هذا، بل ينتقد الإرهاب الذي كانت تمارسه أجهزة الأمن على المواطنين الأبرياء من دون أي سبب، كما تلاشى الكثير من المظاهر الجميلة في المجتمع التونسي.

أخذ البعض على السالمي «برودة في السرد وخواء في الحبكة وسلبية في تصوير تونس». برأيي هذه مبالغة نقدية، إذ إن قيمة «نساء البساتين» يجب أن تقرأ بعد الثورة لا قبلها!