أعوام قليلة مضت تفصلنا عن جائحة رحلت بعد أن عصفت بالعالم وتركت لدى الجميع مواقف وعلامات وذكريات كثيرة. وأكاد أجزم أن كل من في المعمورة مرّ بتجارب لا تُنسى، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني. ومن القصص الملهمة التي أستذكرها دائماً ما قامت به شركة ستراتا للتصنيع الواقعة في مدينة العين، والمتخصصة في صناعة أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة تحديداً، من خطوات سريعة وتوجهات جريئة لم تكن لتخطر على بال كثيرين.

في تلك الفترة تحديداً، ولمواكبة المستجدات وتلبية الاحتياجات، وتأكيد الوقوف بحزم تحت مظلة الالتزام بتأدية الواجب الوطني في شتى المواقف والظروف، بادرنا بسرعة قياسية بإنشاء خط لإنتاج الكمامات، وبالتحديد كمامات الـ«N95»، لنساعد في دعم وتعزيز جهود خطوط الدفاع الأولى في دولة الإمارات وعلى مستوى العالم.

في مايو 2020 انتقلت ستراتا لمهمة جديدة بإنتاج كمامات «N95» في مصنعها بمدينة العين، وذلك في إطار دعم حملة «نعمل نخلص»، التي أطلقتها الشركة الأم (مبادلة للاستثمار)، بهدف تنسيق جهود شركاتها لتبني مبادرات تفضي نحو توفير الدعم للمجتمعات على المستويين المحلي والدولي، للتصدي لجائحة «كوفيد 19».

وخلال أيام محدودة تم تدشين خط الإنتاج لكمامات N95 في مصنع ستراتا بمدينة العين، والذي مكّن الإمارات سريعاً من أن تصبح دولة مُصدّرة للكمامات في تلك الفترة الاستثنائية، حيث بدأت ستراتا بتصنيع الكمامات بطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى 30 مليون كمامة ضمن أول خط إنتاج لكمامات «N95» في منطقة الخليج العربي. وقد نجحت ستراتا في تلبية احتياجات السوق المحلي من مستلزمات الوقاية الصحية والتصدير إلى 12 دولة حول العالم.

بتلك الخطوة التي أثمرت ثقة مادية ومعنوية، لم تظهر ستراتا مرونة كبيرة في إنشاء هذا الخط الإنتاجي الجديد وغير المألوف في وقت قياسي وحسب، «6 أسابيع فقط» مختصرة بها عاماً ونصف العام، بل أضافت الكثير جداً إلى مصداقية شعارها «صنع بفخر في الإمارات»، لتلفت مجدداً أنظار الإعجاب والتقدير في داخل الدولة وخارجها.

هذه القصة الجديرة بالذكر بكل فخر انتقلت من مدينة العين ليتم تضمينها في منهج التدريس بكلية الأعمال في جامعة ستانفورد الأمريكية الواقعة في مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، تحت عنوان «مرونة ستراتا في التحول من إنتاج قطع الطائرات إلى الكمامات»، لتكون ستراتا بما أنجزته في تلك الفترة العصيبة خير دليل على أن استمرارية الأعمال في أصعب الظروف هي الأهم، فالتحديات دائماً ما تولد الإنجازات الفريدة، فلا يكاد يخلو يوم أو شهر من وجود أشكال كثيرة للتحديات، التي هي بمثابة سنة العمل وفطرة الإنجاز على حد سواء.

المهم أن نستمر في جميع الأحوال حتى يتواصل الإنجاز بمختلف الأشكال. هذا ما تعلمناه في مدرسة قيادتنا الرشيدة، في الإمارات التي تتقن لغة الحلول الاستباقية، وفيها نعرف رد الجميل، ولا نعترف بالمستحيل.