لاجئون قذفوا بأنفسهم في اليمّ واختاروا الموت غرقاً، بحثاً عن حياة بديلة، هرباً من طوفان بطش أنظمة رديئة تمحق الإنسان، وتأكل الأخضر واليابس ودوامة حرب لا تبقي ولا تذر وقودها النَّاسُ والحجارةُ والغطرسة وجنون »الأنا« والشوفينية المقيتة.
وعلى الضفة الأخرى، مراكب نجاة وخيام إيواء، وصحف بأحرف لاتينية عريضة دبجت بطبعات عربية خاصة مُرحبة، وأوراق تكفل الاندماج ومجتمع جديد يقبل الآخر.
أنظمة تطرد أبناءها، تصلبهم في الشوارع، وترميهم في المنافي الباردة والموت الأسود وفي ظلمات البحر، لأن الإنسان في ذيل قائمة الأولويات، وأخرى تفتح لهم ذراعيها لأن كرامته هي المعيار وهي الأساس.
مشاهد تقدم صور التفاوت في النظرة إلى هذا الكائنُ المُكرم الذي يسير على رجلين، المجتبى بالعقل دون غيره.
صور عدة يمكننا من خلالها قراءة الإنسان، والمتاهات العديدة في عالمنا العربي لهذا الكائن، صور تم تداولها خلال الأسابيع الماضية، أولاهما صورة الطفل السوري إيلان الذي جرفهُ الماء، فهي تقدم أبشع إدانة للحرب وللضمير إزاء احتضان الفارين من ويلاتها، وتضع الإنسان على قائمة الأولويات قبل كل شيء، فهذه الصورة حركت قضية اللاجئين مجدداً وأعادت النظر إلى مليون (إيلان) آخر.
والصورة الثانية للصحافية المجرية، التي نسيت واجبها المهني وانحازت لنزعة بغيضة، فحركت موجة غضب وبينت أن المواقف في الضفة الأخرى ليست كلها إيجابية.
لكن في كل الأحوال تبقى الأسس التي بنيت عليها المنظومة القانونية والدستورية في هذه البلدان منحازة روحاً وصميماً إلى الإنسان، وهو ما ينقصُ في الأنظمة التي تدور فيها هذه الصراعات، حيث دمهُ أرخص من الماء، وهو إثم كبير لأن الحياة وُجدت لتبقى قوامها الإنسان قبل كل شيء.