للزمن والوقت في تراثنا العربي فلسفة؛ لا توازيها أو تقاربها فلسفة في تراث الأمم الأخرى.

قال أحد الأذكياء: «كل مفقود عسى أن تسترجعه إلا الوقت، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل، ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه إنسان، وكان على العاقل أن يستقبل أيامه استقبال الضنين للثروة الرائعة، لا يفرط في قليلها بَلْهَ كثيرها، ويجتهد أن يضع كل شيء، مهما ضؤل، بموضعه اللائق به».

ذكروا أن أمين الدولة كان يؤدب ولده بهذا البيت، -وهو لابن هبيرة: «وَالْوَقْتُ ‌أَنْفَسُ ‌مَا ‌عُنِيتَ بِحِفْظِهِ... وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْك يَضِيعُ». وقال الشافعي: ‌صحبت ‌الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين: سمعتهم يقولون: «الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك».

ولا جرم أن هذه العبارة أبلغ ما قيل في قيمة الوقت، وهي أبلغ من عبارة: «الوقت من ذهب» لأن الإنسان قد يخسر الذهب مرة ويربحه أخرى، ولكن أنّى له ذلك إذا أضاع الوقت! لذلك لا نغلو إذا قلنا: إن الوقت هو إكسير الحياة.

ولطالما بحث الفلاسفة والأطباء عن ‌إكسير ‌الحياة، ولم يمر ببالهم، ولم يخطر في أذهانهم، أن إكسير الحياة هو الوقت!

ولله در الشاعر حين يقول:

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له... إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِي

خطب الحجاج يوم جمعة فأطال الخطبة، فقال رجل:

«إن ‌الوقت لا ينتظرك، وإن الرب لا يعذرك»، فحبسه، فأتاه أهل الرجل وكلموه فيه وقالوا: إنه مجنون. قال: إن أقرّ بالجنون خليت سبيله. فقيل له: أقر بالجنون. قال: لا والله، لا أزعم أنه ابتلاني وقد عافاني.

قال أبو الفرج بن الجوزي: فينبغي للحازم أن يعمل على الحزم؛ والحزم تدارك ‌الوقت، وترك التسوف والإعراض عن الأمل، فإن المخوف لا يؤمن، والفوات لا يبعث، وسبب كل تقصير في خير أو ميل عن شر طول الأمل، فإن الإنسان لا يزال يحدّث نفسه بالنزوع عن الشر والإقبال على الخير!