أتذكر بوضوحٍ بالغ كيف كنت أنا وصديقاتي نحدق في الساعة، من دون أن نصدق ما تراه عيوننا، خلال حصص اللغة العربية في المدرسة.
فكيف يعقل أن الوقت يبدو وكأنه لا يمر إطلاقاً خلال تلك الحصص وحدها؟ كنا نحسب الدقائق المتبقية قبل انتهاء الحصة الدراسية، وندعو أن ينطلق إنذار حريق خاطئ، فقط لنتمكن من الإفلات من تشدق معلمة اللغة العربية بـ«مدى أهمية لغتنا العربية». وبوسعي تأكيد أن تلك كانت محاضرة ألقيت على مسامعنا أكثر مما ينبغي.
لا أتطرق لهذا الموضوع بصفتي اختصاصية في إصلاح المناهج التعليمية، ولا بحسباني معلمة للغة العربية. لكن، من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن كل من «الاختصاصيين» في إصلاح المناهج ومعلمي اللغة العربية أسهموا بشكل كبير في تفاقم القضية. لذا يمكن القول، وياللمفارقة، إن حصص اللغة العربية كانت الحصص التي شعرنا فيها، كطالبات، بالاغتراب بشكل أكبر من أي حصص أخرى.
طالت جيلي مراراً وتكراراً الانتقادات لتفضيلنا تعلم اللغة الإنجليزية على تعلم اللغة العربية، غير أن الفرق في الطريقة التي تُدرس بها اللغتان يمكن أن يجيب بسهولة عن ذلك. فنحن، كجيل، طالما استمعنا للحديث عن مدى جمال لغتنا، إلا أن حصص اللغة العربية لم تظهر لنا ذلك بتاتاً.
اختيارات الأدب والنصوص العربية المكثفة، التي تصور أي شيء عدا جمال اللغة، دفعت الشباب بعيداً عن اللغة نفسها، ناهيك عن أن دروس النحو العربية كانت تدرس في معظمها من خلال التلقين وتعليم الطلاب القواعد بشكل إجباري. حتى أن المعلمين أنفسهم، وكذلك الآباء والأمهات، يشعرون بالإحباط حيال الطريقة التي يجري بها تدريس اللغة. وعمد المعلمون لإلقاء اللوم على الطلاب بسبب لامبالاتهم، مع الاستمرار في الحديث عن أننا، كجيل، لا نبدي اهتماماً بلغتنا الأم.
وبالمقابل، ينتهي الأمر بطلاب لا يعرفون ما يكفي من اللغة الفصحى للاسترسال في الحديث 5 دقائق متتالية، ولا يتقنون من اللغة الإنجليزية ما يخولهم القراءة بشكل صحيح في الكتب المعمقة. لمَ لا تُدرس مدارسنا إذن النصوص العربية المحفزة للفكر التي تنصف اللغة العربية؟
نحن بأمس الحاجة إلى منهج للغة يستهدف اجتذاب اهتمام العقول الشابة واستقطابها. وخلال السنوات الماضية، كل ما ساهم منهج اللغة العربية في تعليمه للأجيال الشابة هو مقدار أهمية تعلم اللغة العربية. ولا يسعني إلا أن آمل، في السنوات القليلة المقبلة، إمكانية توفير منهج جديد يمكنه إيضاح أسباب جمال لغتنا العربية للأجيال الشابة.