قام الخليفة العباسي هارون الرشيد، في القرن الثامن الميلادي، بتأسيس بيت الحكمة، وهي مكتبة ومركز ثقافي قدر لها في وقت لاحق أن تصبح واحداً من أهم أعمدة العصر الذهبي الإسلامي. وكانت ملتقى الشعراء والمؤلفين والباحثين والمثقفين من أرجاء الإمبراطورية الإسلامية كافة لأغراض الكتابة والترجمة والتوثيق والحوار والنقاش.

ومن سوء الطالع أن بيت الحكمة تعرض للتدمير في عام 1258 خلال الغزو المغولي تحت حكم هولاكو، حفيد جنكيز خان. وكانت أولى الفظائع التي اقترفها المغول لدى غزوهم للبلاد إلقاء كل الكتب والمخطوطات المحفوظة في المكتبة في نهر دجلة.

ما الذي كان يهدد المغول تهديداً بالغاً في قوة الكلمة المكتوبة، وأهمية المحتوى الأصلي، بحيث تعين عليهم أن يدمروا كتابات أعدائهم أولاً، قبل أن يدمروا هؤلاء الأعداء أنفسهم؟

مع دخولنا 2016، وترحيبنا بعام القراءة، فإن أهمية القراءة تم إبرازها في مختلف قطاعات مجتمعنا، والخطوة التالية هي إبراز أهمية الكتابة، فما نكتبه سيصبح ما نقرأه، حيث إن كلاً من قراءة المحتوى الخاص بنا، وكتابته يمضيان جنباً إلى جنب.

وفي غمار نشأتنا، كنا جزءاً من المغامرات التي قرأنا عنها في »حكايات نارنيا« لسي. إس. لويس و»هاري بوتر« لـجيه كيه رولنغ. وأنا لا أحاول بأي حال أن أقارن بين أدب الغرب وأدب الشرق الأوسط، وإنما ما أحاول الدفع باتجاهه هو تحقيق زيادة في الجهود التي تبذل لإبراز أهمية الكتابة في مجتمعنا، وبصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بكتابة القصص الحديثة مع إبداع شخصيات، يمكن التواصل معها وأساليب سرد أكثر جاذبية بالنسبة للجيل الأصغر سناً.

وورش الكتابة في المدارس على امتداد المستويات التعليمية، وكذلك إنشاء مؤسسات جديدة مكرسة لهذه القضية ليست إلا بعض الأمثلة التي يمكن من خلالها الترويج للكتابة وتشجيعها، فمن المهم أن نوجد جيلاً من القراء، نعم، ولكن من المهم بالقدر نفسه أن نجعل أبناء هذا الجيل يكتبون قصصهم وأعمالهم السردية كذلك.

لقد ذكر المؤرخون أنه بسبب القدر الهائل من المخطوطات والكتب، التي ألقاها المغول في النهر، فإن دجلة تشبعت مياهه بالحبر، وطفا اللون الأسود على سطح المياه لأيام عدة، غير أنني أعتقد أن الحبر الذي تشبعت به مياه نهر دجلة واصل التدفق طويلاً بعد ذلك. وحبر نهر دجلة نفسه يجري في عروقنا، وكل ما علينا عمله هو أن نمسك بأقلامنا، وأن نشرع في الكتابة.