تركب سيارتك وتشغل المذياع بهدف الترفيه عن نفسك والحصول على شيء مفيد، فتكون النتيجة كالتالي:
الإذاعة 1: شخص (مذيع أو مذيعة) بصوت جميل مميز لا شك أنه اختير بعناية يقول: ماذا تفعل لو قال لك شخص تكن له المحبة أنه سيتركك؟ الحقيقة أن السؤال صدمني ولا أظن أني سأجيب عنه بسهولة، وجاءت ردود المستمعين متباينة لكن لاحظت أن كل الإجابات كانت مازحة بمعنى أن السؤال لم يؤخذ على محمل الجد، والشخص الذي يقرأ الإجابات لا يستطيع حتى مقاومة الضحك، والنقطة الأخرى أن الشخص يقرأ الرسائل بأخطائها، ويعلم ذلك ويصحح لنفسه ثم يضحك.
الإذاعة 2: شخص بصوت مرح يتحدث بسرعة كأنه يسابق الإيقاع السريع للموسيقى في الخلفية، ويسأل سؤالاً محيراً أكثر من المطروح في مثالنا الأول: ماذا لو اكتشفت أن شخصاً قريباً يحسدك؟ الحقيقة أن السؤال هذه المرة صادم، ولا يمكن التنبؤ بالحسد بسهولة، خصوصاً أن له علامات واضحة يميزها المختصون في علم الشريعة الإسلامية الحنيفة. ولو سألني شخص هذا السؤال فلن أتردد في الإجابة عنه بالاستعانة بالمعوذات وآيات الرقية الشرعية.
هذه المرة المستمعون أخذوا السؤال على محمل الجد، ما استدعى المذيع أن يغير نبرة صوته وأن يوازن بين الجادين والمازحين حتى لا يطغى فريق على الآخر، وتلك حكمة منه لكن بقيت مشكلة اللغة المذكورة في المثال الأول كما هي.
الإذاعة 3: هذا برنامج توقيته مختلف إذ يبدأ قبل البرامج الأخرى من الصنف نفسه، وهنا الشخص المذيع يتحدث ببطء ويحاول إضفاء الوقار على صوته، خصوصاً أن الموسيقى هادئة في الخلفية، والسؤال كان أفضل بكثير من السؤالين المذكورين أعلاه إذ كان عن الاستراتيجية التي يتبعها الشخص في حالة الغضب.
كيف يهدئ نفسه لئلا يتفوه بما يندم عليه لاحقاً، وهناك دراسات في الغرب حول هذا الأمر ودورات مكثفة تعطى في هذا المجال تحت مسمى: إدارة الغضب أو Anger Management، الشخص المذيع هنا أحسن إدارة الحوار تماماً واستفدنا كثيراً، إلا أنه اصطدم بالمطب اللغوي من ناحية، ودخل في تفاصيل بديهية لم يكن بحاجة إليها من ناحية أخرى.
هذه البرامج لا تستمر دون تفاعل الجمهور معها (والشخص المذيع في المثال الأول اعترف بذلك)، ونحن لسنا ضدها كفكرة، لكن نحن نريد منها تطوير المحتوى ليكون أفضل وأرقى من ذلك، نريده مثقفاً للمستمع.
تطوير المحتوى يرتبط مباشرة بالشخص المسؤول عنه، فلو فكر مذيع ما في كسر الروتين وأعلن عبر الأثير سؤالاً مثل: ما هو آخر كتاب قرأتموه أو تقرؤونه؟ ستأتيه إجابات لا حصر لها من مهتمين بالمطالعة، وخصوصاً أننا في عام القراءة. وسنجد المذيع نفسه قارئاً، وبالتالي لا يخطئ لغوياً، وسيكون قدوة للكثيرين.
مسك الختام: في ثمانينيات القرن الماضي عندما يسألنا معلم اللغة العربية عن معنى كلمة ما أو إعرابها كان يفاجأ أن أغلبنا يعرف الإجابة، والسبب أننا نتابع برنامج المناهل التلفزيوني المتخصص في تعليم اللغة العربية، فالإعلام شريك أساسي للتعليم، وهذان القطاعان يكملان بعضهما بعضاً.