مدينتان باسم جبيل، إحداهما تطل على الخليج العربي، والأخرى على البحر المتوسط، وبين جبيل في المنطقة الشرقية السعودية، وجبيل في محافظة جبل لبنان، سألت عدة مؤرخين ومختصين عن مسمى جبيل، وهل ثمة ما هو مشترك بينهما؟، لتأتيني إجابات نافية، وأنه مجرد تشابه، وما هو إلا تصغير لاسم جبل.

يحدث أن تتشابه الأسماء، لكن المدينتان مرت عليهما قبل الإسلام والمسيحية ديانات وثنية، وبالتالي، كانتا تؤمنان بالإله «الليجبيل»، وهو إله النار أسفل الأرض، كما تقول الأسطورة السومرية، التي استوقفتني كثيراً في أن «الليجبيل»، كما ينطقها السعوديون، إلى الآن بهذه الطريقة، وكذلك اللبنانيون، هو شقيق للإله «نَنَا» أو «نانا»، أي القمر في السماء، كونه مذكراً آنذاك، ولديه أيضاً شقيق يدعى «نركال»، وهو إله مسؤول عن عالم القبور، وشقيق آخر يدعى «ننازو»، وهو إله الشجرة والطب.

هؤلاء الأبناء الأربعة، ذكروا في هذه الأسطورة الطويلة جداً، أشبه برواية خيالية أو ملحمة، لا تسعني المساحة لسردها كلها، لكن الأهم هو أن «الليجبيل»، الذي كُتب باللغة العربية الجبيل، لكونه تصغيراً لجبل، فذلك مفهوم بعيد برأيي، لكون مدينة جبيل اللبنانية، سميت في الزمن البابلي جُبْلا، وأطلق عليه في ما بعد الآشوريون جُبلي، لينطقها الإغريق بعدها اسم «بيبلوس»، المأخوذ من «جيبلوس»، كما يبدو لي، ليعود المسيحيون للاسم الأصلي له، ويكتبونه جبلات، كل هذا دليل على أن الاسم في أصله غير عربي، ويعود لأصل سومري، فهناك أكثر من 360 كلمة سومرية الأصل نستخدمها في لغتنا العربية إلى الآن، بالإضافة إلى أن الإله «الليجبيل» وغيره من الآلهة آنذاك في المنطقة، كانت تسمى بأسمائهم، تقديراً وتقديساً.

لا أحد ينكر أن الأسماء تغيرت، وكذلك المناطق بعد انتشار اللغة العربية، مثل «دلمون» البحرينية، حيث اختفى الاسم لقرون طويلة، حتى عادت مع الحفريات الأخيرة في القرن الماضي، وهناك مدن تم تعريب أسمائها، مثل مدينة الوركاء وهي «أورك» السومرية في العراق، وبين الأسماء المعربة والمترجمة والمتغيرة، لربما قاومت «الليجبيل» اسمها نُطقاً، رغم مرور آلاف السنين.

جبيل السعودية التي تعود في حضارتها إلى «دلمون»، والقريبة من حضارة سومر، امتد اسمها من تلك الأسطورة التي نبتت قربها، والتي تقول إن «كي»، أي الأرض الأنثى، قد تزوجت من «آن» السماء الذكر، ليتوحدا معاً وينجبا ابنهما «انليل»، ويصبح سيد الهواء بنسيمه وإعصاره، ولكون «الليجبيل» ابن «انليل»، وحفيد السماء والأرض، وشقيق الإله القمر.. سميت باسمه مناطق عديدة، لأهميته الفائقة في شجرة الأنساب الإلهية آنذاك.

بسبب نطقه الموروث، جعلني أربط مسماه بالمدينتين، رغم حاجتنا للمزيد من البحث.