إحساس الناس بالزمن، يختلف من شخص لآخر، والأزمنة متداخلة، وامتداد لبعضها، كما يعبر بعض الفلاسفة في مقولاتهم، فمرور سنوات على المرء، تهديه «كبراً»، وكم كثيرون تؤرقهم هذه الكلمة، وكم يساء فهمها، وما زال الكثير يعتبرها عملية حسابية، يخصم من، ويزيد إلى، وكأنها صفقة تجارية، لا مراحل حياتية. بالنسبة لي، لا أعترف بها في مصطلحاتي، ولا أجدها أفضل ما يفسر مصطلح التقدم في العمر سنة بعد سنة، لأن التقدم في العمر كل عام، يعني تغير في طريقة وأسلوب التفكير، ولأني اليوم أستقبل عاماً جديداً، أضيف فيه حياة إلى سنواتي، كتبت في سجلاته «أنا نضجت»، وأصبحت أكثر ثقة بنفسي واعتداداً بها، أصبحت أكثر حكمة في اتخاذ قراراتي، دون التردد أو التراجع، أصبحت أعي أموراً كنت في السابق لا أدركها، وآمنت بأن هناك مسلمات لا بد من القناعة بثباتها، وفهمت أن في كل نقاش، لا يشترط أن أسعى لإثبات ما أراه مناسباً، أو ما اقتنعت به، بينما يراه غيري غير مناسب، وليس بالضرورة أن أكسب كل نقاش، ففي أمور كثيرة، يكون التنازل عنها وتركها مكسباً.

جميل أننا حين تمر بنا السنون ونسترجع كيف كنا نفكر وكيف أصبحنا نتعاطى مع مجريات الحياة السريعة والمواقف الاجتماعية التي تصادفنا في يومياتنا، وكيف أيقظ النضوج عقولنا لاستصغار توافه الأمور التي كانت تستهلك منا الجهد والوقت، لتصبح بعد ذلك تمر دون أن تحظى باهتمامنا، وجميل حين نواجه عثراتنا وسقطاتنا، ونعيد بهمة أخرى رسم خطواتنا، فالعمر لا يحسب بطول السنوات، بل بعرض التجارب والأحداث، وهي أجمل هدايا العمر.

حسبي بذلك الجمال في النضج، هو أن تشعر وتستشعر كل ما قام به والداك على مدى كل تلك السنين، لتصبح إنساناً بهذا النضوج العقلي والجسدي، أن تستشعر كيف لهم أن يتكيفوا مع مراحل حياتك على اختلافها (شقاوة طفولة، طيش مراهقة، واندفاع شباب)، حين تجتاح فكرنا تلك التساؤلات، ونستشعر عظمة ما قام به الوالدان، وما زالوا يقومون به، لأجل أن يرونا في كل أوقاتنا سعداء، هو المعنى الأجمل والأسمى بأنك كبرت، ليس سنين، بل وعياً ونضجاً.