هذا النموذج وتلك الثقافة هي التسامح، قيمة أساسية راقية من قيم المجتمعات الإنسانية، التي نحتاج إلى العودة إليها، وإلى التذكير بأهميتها بين وقت وآخر، فيما يأتي اختيار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، عام 2019 ليكون عام التسامح، بمثابة الإعلاء والترسيخ لها كقيمة حضارية.
ما التسامح، ما الأمثلة التي تجسده عملياً، وما الطريقة التي يدار بها؟ أسئلة ليست صعبة، فالتسامح مفهوم بسيط تربينا عليه في مجتمعاتنا الصغيرة، التي كانت تحرص على أن يكون لدى أفرادها قابلية أن يعوا هذه القيمة.
قيمة كانت متجذرة في سلوك الأوّلين، في مجتمعات «الفرجان»، التي كان يعيش فيها الناس بسلام، على اختلاف معتقداتهم الدينية، وأشكالهم، ومستوياتهم وانتماءاتهم الطائفية، وكان أحدهم يحترم ويتقبل الآخر بكل ما يحمله من خصائص وسلوكيات مغايرة لا علاقة له بها.
كان التسامح أسلوب حياة يعيه الجميع، فأن يتعامل الإنسان مع الإنسان بروح القبول بالآخر، بروح صافية، وقدر من التحمل، يعني أن يتعالى على ذاته، فيتضامن مع الآخر في مشاعره، ويقدر ظروفه، بل ويحتويه، وهي قمة الوعي.
وفي مجتمعاتنا القديمة، التي لم يكن الفرد فيها متعلماً، كان هذا النموذج الشفاهي، هو روح التحضر الذي ينشأ عليه الإنسان، ويتناقله الناس جيلاً بعد جيل، إذ لم يكن هؤلاء ليحتاجوا أن يتعلموا فن التسامح من الكتب ولا المدارس، ولا وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي، كانت فقط مجتمعات تعرف أن الجار للجار، والقريب للقريب، والصديق للصديق، والوافد والغريب له كل التقدير والاحترام.
وإلى اليوم، ما زال أحدنا يتذكر ذلك النموذج الرائع للتسامح في مجتمعنا منذ القدم، ويتذكر الطريقة التي كان يدار بها، أن يتسامح الناس قولاً وفي كل يوم، إذ ليس هنالك مثلاً أقرب إلى نفسك من أنك كنت تسمع أحدهم يردد هذه العبارة «سامحني إذا أخطأت»، كان شعاراً، وما إن تتذكره، حتى تتذكر كم كان الناس يدركون أنهم في مجتمع عربي مسلم، وحتى تقول في نفسك، ما أحوجنا إلى البحث في هذا النموذج الإماراتي البسيط القديم للتسامح.