منذ أيام وصوت محركات الطائرة يرن في رأسك لينقلك لوهلة إلى داخل كابينة الطائرة، أو تنقلك إلى أماكن متفرقة من العالم، لكنك تفيق من تهيؤاتك لتكتشف أنك لم تفارق المنزل، بل لا زلت غارقاً في ذات المقعد الوثير، غارقاً في تأملاتك، في تلك المخلوقات الخفية التي قهرت البشر وجعلتهم يلزمون منازلهم، ويتباعدون اجتماعياً، لقد تعايشنا لعصور طويلة مع كل المخلوقات الأخرى على الأرض، خصوصاً مع تلك المخلوقات الدقيقة التي تعيش على أجسادنا وفي منازلنا بل وفي الجوانب المخفية من نفوسنا، مع الجن والشياطين، لكن هذا الكائن المستجد فرض نفسه وشذ عن قاعدة التعايش، ربما لأنه يحمل رسالة، أو عبرة، أو نصيحة، أو لمجرد أن يذكرنا بحجم الإنسان الحقيقي، بل بحجم الأرض، من المؤكد أن كوكب الأرض تنفس قليلاً وارتاح من الضغط والزحام ومن الغازات الدفيئة التي تؤثر سلباً عليه.

يدور بخلدك، كيف تمكن الإنسان من تحييد بقية المخلوقات الخفية على الأرض، بل كيف تمكن الإنسان من إبعاد مخلوقات العوالم السفلية، فلم تعد تظهر، ترى هل سيعود العالم كما كان، هل ستتغير موازين القوى في العالم، بعد كل هذا التلاحم والتوحد بين البشر، ترى هل ستتغير طريقة حياتنا على هذا الكوكب؟

تزيح تلك الأفكار من رأسك، تحاول أن تمارس حياتك بشكل طبيعي، تعمل من المنزل، تعقد اجتماعات افتراضية عبر الاتصال المرئي، تعمل طوال اليوم، فلم يعد هناك وقت محدد لساعات العمل، تقرأ، تستمع للموسيقى، تتابع الأخبار، تشاهد الأفلام، وربما يكون هكذا أسلوب حياتنا في المستقبل، لقد واجه البشر تحديات كثيرة عبر العصور وفي كل مرة تجد الطبيعة وسائلها للدفاع عن الإنسان، ولاستمرار الحياة على الأرض، وهذه المرة لابد أن الإنسان سيجد طريقة للانتصار.