ذلك الصوت الذي لا يزال يتردد بداخلك، وأحلام الصبا التي لا تزال تغازلك، ألق الصباحات المنعشة، وتلك الأمسيات التي لا تزال عالقة في الذاكرة، تلك الموسيقى العذبة التي لا تزال تصدح في رأسك، لحن الحياة، وتلك التفاصيل الصغيرة التي تجعلك تشعر بالسعادة وتبتسم.
تلك الأشواق، وذلك الحنين، ضجيج المطارات، وتلك المدن التي عشقتها والتي لا تزال تسكنك، كأنك نسيت شيئاً من ذاتك فيها، وتلك الشوارع والأزقة، تلك الصحاري والبحار، رمال الصحراء، وصفحة الماء التي تمتد إلى ما لا نهاية، وتلك الدروب الطويلة المتشعبة، وكل المسافات البعيدة التي تخالها تفتش عنك، أو لعلك تفتش عنها، كل تلك الأسفار، وكل الطرق التي يقف عليها المسافرون، وتلك الاكتشافات والمغامرات، والترحال ذلك العشق الأول الذي تخليت عنه من أجل العشق الأخير، يبقى متعمقاً في ذاتك كلما اضطرب الفؤاد، وقد يتلاشى ككل شيء أو كهذيان العاشقين.
كل أولئك الحمقى الذين يتقاتلون، كل ذلك الدمار وتلك الجثث الملقاة على قارعة الطريق، رائحة البارود المختلط بالدم، ذلك الجنون، وتلك الدموع التي تشاركتها كرغيف مع الفقراء والجوعى، فقر مدقع، وغنى فاحش، غضب الطبيعة، كأنها تصب عقابها على البشر الذين يدمرون كل شيء جميل، كأن الطبيعة هذه المرة تتلاعب بالبشر، تتحداهم، تسخر منهم بمخلوق تافه لا يرونه، وتضحك في وجوههم عندما يفشلون في التحدي.
تلك الابتسامة الساخرة الباهتة التي تجد طريقها إلى وجهك كلما تلاعبت بك الحياة أو عبثت بك، ثم تمضي بلا اكتراث كلما تغيرت مسارات الحياة، تلك العزلة التي يمارسها البشر الآن خوفاً، وتلك الوحدة التي تجد فيها وقتاً لمحادثة النفس، للتأمل، أو لممارسة الصمت طواعية، تجد نفسك مديناً لذلك الفيروس الخفي الشرير فقد منحك كل هذا الوقت لتستعيد بوصلة الحياة.