في مرحلة دراستي الجامعية، كانت اللوحة الشهيرة «إصرار الذاكرة» للرسام سلفادور دالي، خلفية لجهازي المحمول، إذ تظهر اللوحة ساعات مرتخية تذوب ببطء، كانت ملهمة لأعقد سباقاً مع الزمن لأنهي أبحاثي الجامعية وقتها، كانت الصورة هي أول ما أشاهده لحظة تشغيل جهازي المحمول.. لأذكر نفسي دوماً، أن الوقت ينفد مني..
اليوم أتذكر جيداً تفاصيل تلك اللوحة، لأنها تذكرني بما أصبحنا عليه، كعناصر متمردة بصمت في لوحة سريالية كونية تعبر عن الواقع بشكل محير، في لحظة يكتنفها الغموض والترقب، لحظات قريبة وبعيدة، صورة يعوزها المنطق، تثور بها الألوان، لنستسلم بالنهاية تحت مقصلة الانتظار، وكأن الدقائق لم تبرح مكانها أبداً، كأننا عالقون بلا حراك..!
نعيش مرحلةً تعد الأصعب بلا استثناء، مرحلة نكون بها عالقين في منتصف الأشياء، ما بين الخوف والسكينة، بين التردد والثبات، بين الكارثة والترميم، بين التوقف والطواف، بين كل الأيام الماضية وتلك المرتقبة، كل الأمور باتت عالقة حتى إشعارٍ آخر، أضحكني حديث أحد الغاضبين الذي يرفض مرور عام من عمره وهو حبيس القيود، لكنني وجدت بعد فترة من العزل، أن الوقت أصبح مطواعاً أكثر، أصبحت أقوم بكل أدواري المختلفة في مشهد اليوم المزحوم، وأنتهي ويبقى لي فضاء واسع من الوقت، لأعيد ترتيب أفكاري، ولأنظم أجندتي، لأتحدث مع المهووسين بالقراءة لنناقش فصلاً في كتاب، أصبح الوقت الذي كان يخنقني فترة دراستي، قطةً أليفةً تحوم حولي ببطء وسكينة، أصبحت نظرتي للأشياء مختلفة..
ولأننا عالقون، يثب الحنين للسفر إلى المشهد، لأن البعض منا كان يحزم حقائبه للسفر مثل هذا اليوم في السنة الماضية، أسمع تلك التنهيدات والنظرات الحزينة لحقائب السفر الفارغة، للصور التي التقطت العام الماضي، لكن حضن الإمارات الكبير سيسع حجم أمنياتنا، كنُدفِ ثلجٍ تتزاحم على قلوبنا المتفائلة..