اللغة العربية في عصورها الذهبية كانت لغة جميع العرب، وكانوا يستخدمونها في الحديث والكتابة والقراءة قبل أن يضع أبو الأسود الدؤلي علم النحو ولا حتى تشكيل آخر الحروف.
والغريب في الأمر أنهم كانوا لا يخطئون بها حتى وهم يكتبونها ويقرؤونها بدون تشكيل ودون تنقيط.
والحقيقة أن أبا الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه لم يضعوا القواعد لهذه اللغة تأليفاً ولا اختراعاً، كل ما عملوه أنهم راقبوا كلام الناس العاديين وفسروا لماذا تتغير حركات الحرف الأخير في الكلمات رفعاً ونصباً وجراً، فاكتشفوا أن الاسم يرفع في حالة كونه فاعلاً أو مبتدأ أو اسم كان أو خبر إن أو خبر المبتدأ. وكذلك وجدوا أن الاسم يأتي منصوباً في حالة المفعول به أو خبر كان أو اسم إنّ... إلخ.
هذه الملاحظات هي التي جعلتهم يسجلون ما سمعوا ولم يكونوا هم الذين ألفوا هذه القواعد.
وعندما سمع أبو الأسود الدؤلي رجلاً يقرأ آية «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» إلى آخر الآية، فقرأ كلمة ورسوله بالكسر، فتغير المعنى، وأصبحت أن الله بريء من رسوله أيضاً، فصاح: هذا خطأ، ثم أحضر مساعداً له، وقال له: إذا رأيتني أفتح فمي بالحرف الأخير فضع نقطة أعلاه، وإذا رأيتني أضم فمي فضع نقطة بين يدي الحرف الأخير، وإن كسرت فضع نقطة تحت الحرف الأخير.
وأنا في هذه العجالة لا أهدف إلى شرح علم النحو الذي يعتبر أبو الأسود ملكه، لكنني أريد أن أقول إنه رغم وضوح قواعد لغتنا ورغم تشكيل آخر الحروف من قبل مختصين يعرفون هذه القواعد فإن جيلنا الحالي غير قادر على القراءة والكتابة والتحدث بالفصحى التي كان أجدادنا يتكلمونها بكل طلاقة وبدون تعثر أو لحن.
أمس استمعت إلى لقاء تلفزيوني مع طفلة لا يتجاوز عمرها السبع سنوات، كانت هي تتكلم الفصحى بطلاقة وبدون أخطاء، أما المذيع فكان يسألها باللهجة العامية.
لم تزعجني هذه المشاهدة، بل أسعدتني؛ لأنني أرى الأطفال يتكلمون الفصحى بطلاقة ودون تعثر، وهذا يشكل نقطة ضوء في ليل اللغة العربية، الذي بدأنا في دولة الإمارات، بفضل اهتمام قيادتنا الرشيدة بهذه اللغة، بدأنا في الاقتراب من صباح جميل يتكلم فيه الجميع لغة الوطن، ولغة العروبة، ولغة القرآن.
وللحديث بقية.