الغريب أن العرب كانوا يقرؤون ما خطّه الشعراء والأدباء، وحتى كتاب الله القرآن، دون أن تكون الحروف مُنَقَّطَة أو مُشَكَّلَة، فعلى سبيل المثال، كان حرف الباء وحرف التاء وحرف الثاء لها شكل واحد هو (ٮ) وكذلك الجيم والحاء والخاء (ح) والدال والذال (د) والراء والزاي (ر) والسين والشين (س) والصاد والضاد (ص) والطاء والظاء (ط) والعين والغين (ع) والفاء والقاف (ڡ).

ولم يكن العرب يخطئون أو يلحنون رغم تشابه الحروف، ولكن عندما لاحظ عالم النحو الأول أبو الأسود الدؤلي أن هناك من يخطئ في قراءة القرآن، هبّ لتشكيل أواخر الكلمات بالنقاط التي حولها الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى الحركات الحالية الفتح والضم والكسر والسكون والتنوين.

أما تنقيط الحروف لتمييزها، فهذا ما قام به تلميذا أبو الأسود الدؤلي وهما نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر العدواني، ولهؤلاء جميعاً يرجع الفضل في جعل حروف اللغة العربية واضحة جلية وسهلة الحفظ ولا غموض فيها، بالطبع يجب أن نضيف إلى هؤلاء إمام النحاة عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي الملقّب بـ (سيبويه) الذي بسّط علم النحو وهو العلم الذي أخذه عن الخليل بن أحمد الفراهيدي. وسيبويه كلمة فارسية معناها رائحة التفاح.

لقد وضع هؤلاء العلماء قواعد لغتنا العربية، والتي لم تكن إلا تفسيراً وشرحاً لكلام العرب ولشعرهم ولقرآن ربّ العالمين. هم لم يرفعوا الفاعل، ولم ينصبوا المفعول به، ولم يجروا المجرور بحرف الجر، بل وجدوا ذلك في كلام العرب، الذين كانوا يحركون أواخر الكلمات حسب دلالاتها. كان العرب ومنذ صارت لغتهم هي هويتهم وهي وسيلة التواصل فيما بينهم يتكلمون اللغة العربية فيرفعون وينصبون ويجرون ويجزمون دون أن تكون القواعد موجودة أو معروفة.

الآن.. العرب لديهم القواعد الواضحة، ولديهم الجذور اللغوية الغزيرة التي جعلت لغتهم أغنى لغة في العالم، الآن، العرب مطالبون بصون هذه اللغة وحمايتها ودعمها بالتحدث والقراءة والكتابة.

فهل تجد دعوتي هذه آذاناً صاغية لديهم؟

وللحديث بقية.