على الرغم من أن اللغة العربية غنية جداً بعدد الجذور اللغوية التي تحويها، فإن لديها القدرة على اختصار معانٍ كثيرة في كلمة واحدة أو كلمتين؛
قصيدة الحطيئة التي يقول فيها:
وطاوِي ثلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مرملٍ
بتَيهـاءَ لم يَعرِف بها ساكنٌ رَسما
وقفت عند هذا البيت طويلاً:
وطاوي ثلاثٍ: أراد أن يقول إن ذلك الرجل الذي يتحدث عنه بات على الطوى؛ أي بدون طعام لمدة ثلاث ليالٍ.
عاصب البطن: أراد أن يقول إن ذلك الرجل من الجوع ومن شدة ألمه قام بوضع عصابة على بطنه ليخفف عنه ألم الجوع وشدته، وهي عادة يلجأ إليها الجائع الذي لا يجد طعاماً.
مرمل: وهي كلمة واحدة تشرح وضع الرجل أنه يسكن في الصحراء وفوق الرمال.
وهذا مجرد مثل على الكلمات العربية القليلة التي لها معانٍ كثيرة. وعلى الرغم من المعاني الكثيرة لكلمات اللغة العربية، فإن عدد الجذور اللغوية لهذه الكلمات يزيد على ستة عشر ألف جذر لغوي، بينما لا يزيد عدد جذور اللغات الأخرى على ألفي جذر لغوي، وهذا ما يجعل الشعر العربي مميزاً عن الشعر في اللغات الأخرى. وكوني شاعراً أدرك وأستوعب هذا الغنى للغتي العربية؛ حيث لم أعد أجد صعوبة في انتقاء الكلمات المناسبة للمعنى الذي أريده. وكل ما يحتاج إليه الإنسان العربي هو قراءة كتب التراث التي تزخر بكم هائل من المفردات الجميلة، التي يمكن للشاعر أو الكاتب استخدامها في إنتاجه الأدبي. أطلق أجدادنا العرب على الأشياء عدة أسماء، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك أكثر من خمسة وعشرين اسماً للسيف؛ منها اليماني، وأرشد، وأبهر، وبتار، وبرّاق، والحازم، والحاتم، والحسام، وذو الفقار، والصارم، والصمصام، والمهند، والهندي، والفيصل. وكذلك أسماء الحصان التي تزيد على خمسين اسماً؛ منها: الأدهم، والأبهر، والبيضاء، والخنذيذ، والخطاف، والشقراء، والعود، والعرقوب، والأغر، والأبجر، والأبلق، والأشقر، والأشهب.
وهذا الغنى للغة العربية لم تعرفه أية لغة أخرى، فهل يعود العرب إلى لغتهم عودة العارف المقدر والحامد لرب العالمين، الذي تكلم بهذه اللغة وأنزل بها قرآنه العظيم؟
وللحديث بقية.