آخر صيحة في محاربة اللغة العربية صدرت عن أحد الكتّاب في بلد عربي، قام بترجمة رائعة أرنست همنغواي «العجوز والبحر» إلى اللهجة العامية.
وبهذا العمل الغريب والمريب، انتقل أعداء لغتنا العربية من الوطن العربي إلى العالم، من المتكلمين باللغة العربية إلى الأدب العالمي.لسنا ضد أية لهجة عامية، ولكن من يرضى أن تنوب اللهجات العامية عن الفصحى في الرواية أو المقالة أو نشرات الأخبار؟
هل هي محاولة لإبعاد العرب عن لغتهم المقدسة التي نزل بها كتاب الله إلى البشر أجمعين، وتحويل هذه الفصاحة وهذا الغنى وهذه القداسة إلى كلمات بعيدة كل البعد عنها، وتختلف من بلد عربي إلى آخر؟
اللهجة المحلية التي ترجمت روائع الأدب العالمي لا يفهمها إلا أهل تلك اللهجة، فلو فعل أصحاب كل لهجة محلية مثله لوجدنا لدينا عشرات اللغات بدلاً من لغة واحدة يعرفها أو المفروض أن يعرفها جميع من ينتمي إلى العرب وإلى الإسلام. من المؤسف أن نجد مثل هذه المحاولات التي تُعدّ طعنات غادرة في متن اللغة العربية الفصيحة بدلاً من مساعدة الشعوب المسلمة في تعلم لغة دينها.
كنا نتغاضى في الماضي عن كتاب الرواية عندما يجعلون الحوار بين شخصيات رواياتهم باللهجة العامية، ولكن أن يصبح النص كله باللهجة المحلية، وأن نترجم روائع الأدب العالمي إلى اللهجة المحلية فهذا بالفعل غريب ومريب ولا تفسير له إلا أنه عمل مضاد موجه ضد اللغة العربية. رواية أرنست همنغواي «العجوز والبحر» تعتمد على المونولوج الداخلي، والذي يعبر فيه ذلك الصياد العجوز عن مشاعره بأسلوب رائع، فكيف يجوز أن يصنع ذلك بلهجة كانت وجميع اللهجات الأخرى سبباً رئيسياً في تراجع اهتمام العرب بلغتهم؟
كنا في الماضي نتهم الاحتلال العثماني للبلاد العربية بتشجيع اللهجات المحلية والابتعاد عن اللغة العربية، وبعد العثمانيين اتهمنا الاستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني بإضعاف العرب بمحاربة لغتهم ونشر اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان هذا الاتهام صحيحاً، ولكن أن تأتي هذه الطعنة الغادرة من عربي، فليس من كلمة مناسبة لوصف مثل هذه الطعنة.
إن اللغة العربية الفصيحة سوف تنتصر في النهاية، والعرب، جميع العرب، سيعودون إليها وستعود إليهم منتصرة ظافرة.
وللحديث بقية.