في تراث الإمارات ثمة حكاية تسمى (بِعير بلا راس)، أو جمل مقطوع الرأس، الذي بقيت روحه في جسده، وعاد إلى الحياة بلا رأس يجوب الشوارع والأزقة، والدماء تسيل من رقبته المبتورة، وأصبح يرعب المسافرين عند منتصف الظهيرة، أو السائرين في الليالي المظلمة، يدنو من الطرقات الخالية، وكان عليهم توخي الحذر، قد يسمعون وقع أقدامه خلف ظهورهم، فإياهم إن التفتوا.

جملٌ بلا رأس، ليس كغيره من الجمال، قد ذُبح منذ سنوات طويلة، ولم يمت، وها هو يجوب الطرقات ناقماً على كل من يراه، يتتبعهم بهدف الانتقام، فإن سمعتَ صوتاً أو أنيناً، فلا تلتفت كيلا تثير مشاعره، لا تلتفت إلى الوراء وامضِ في طريقك، أو فر هارباً إلى الأمام.

لطالما لفتت نظري عبارة (لا تلتفت إلى الوراء)، وهي عظة موجودة في معظم ثقافات العالم، متذكرةً جداتنا الراحلات في قصهن وسردهن القصص الشفهية، كهذه الخروفة التراجيدية «جمل بلا رأس» أو حسب اللهجة «بِعِير بلا راس»، والتي تثير الذعر في القلوب، لكن عَلِمْنَا بعدها أن خيال فكرتها المأساوية عظة وحكمة، ودرس يأتي مع تقاليد الحكاية، ليلامس أطفال الأزقة مع الغرباء بشكل قَصيّ، أمّا الكبار بأنهم لن يغيروا الماضي، ولا يمكنهم الإقامة فيه، وبالإمكان فقط قبوله، لتأتي الآداب الشفهية بنصائحها غير المباشرة، تماماً كما هو الإبداع المكتوب اليوم، فالإبداع الحقيقي بفنياته السردية والشعرية غير مباشرة للمتلقي.

وتستمر إلى اليوم عبارة (لا تلتفت إلى الوراء) بدلالاتها المتشعبة، سواء أثناء مشيك، أو في خططك التي ترسمها، وتجارتك التي تمارسها، أو بحثك ودرسك... لا تنظر إلى الخلف، فلن تتغير النتيجة مهما كانت مآلها، إلا بالنظر إلى الأمام والاستمرار في الحياة بنوعيتها، وتصحيح منهجك، أو حتى تغييره إن لم يَرُق لك، ولعل من ينظر إلى الخلف هم المتأخرون، حيث تتحدث العقول العظيمة عن الأفكار، كيف من الممكن إكمالها، لا عن الأحداث السالفة، بما فيها من أمجاد وخيبات، فلا تلتفت.