من خلال الندوات التي يُناقش فيها القراء الرواية، عادة ما يبحث القراء والحضور، وبفضول، عن سيرة الروائي، الذي يعرفونه ولا يعرفونه، وربطها بالنص المكتوب في روايته، شيء من الفضول، وربما شيء من المتعة، خصوصاً أن الكتاب صدر رواية، وليس سيرة ذاتية، تم تقديمه كونه عملاً فنياً أدبياً متخيلاً، والأدب تذليل ما استطاع إليه الأديب سبيلاً، ليحول إيقاع الحياة الواقعية على السطور خيالاً يتسع ويضيق، يعلو ويهبط، لاستخراج ما لديه، أو ما يسمى بالولادة المبتكرة، بعد الدخول في عوالم مجهولة، شيء يشبه الاقتحام، مصدره القلب، المملوء بجمال الحياة وصراخها أيضاً، فالروائي الخلاق يجعل من روايته عملاً خيالياً، مرتبطاً بالواقع، لا يمسه من بعيد أو قريب، وإن حاول جعل القارئ يفترض أنها حياته فهذه وسيلة من وسائل الإبداع والإنشاء، وقدرة تخيلية متينة، لخلق حياة أخرى، ومن أجل ثراء أكبر، وتجربة أوسع، وعلى القارئ (دون أن أكون ناصحة) أن يقرأ قراءة مجردة للروايات تحديداً، ولا يربط بين حياة الروائي وكتبه.
ولتحديد الصورة بأن الرواية ليست مرآة ما نعيش، لكنها مرآة الشعور، فالسقي من الكتب، وبسحر مفتون، هي الذريعة الأجمل للقارئ اللبيب، فالقراءة المجردة شافية لحياته المدنية المزدحمة أو المقفرة، وتعقيدات الحضارة الجديدة وتسهيلاتها، ومتاهات الإنسان في التفكير في العادات والتقنيات والعالم الآخر، لتأتي الرواية الناطقة نتيجة تدفق، لها إيقاع، لشخصيات لها مذاق، ورائحة، وملمس، فيصبح مقروءاً بعيداً عن المقارنات، وإن جعلنا الكاتب يظن ذلك، بعيداً عن حياة الروائي، تبقى الرواية فرصة للتأويل، وإعادة للتفكيك والتركيب.
ولا نلوم القارئ إن أخذ يقارن بين الكتاب وحياة المؤلف، فمعظم الكُتّاب الجدد ينقلون سيرهم في العمل، الذي من المفترض أن يكون خلاقاً مستنداً إلى الخيال الباذخ لا الواقع الجاف.