زرت في إجازة أيام عيد الأضحى مدينة «باتنا» الهندية في ولاية بهار، بغرض التعرف على مكتبة خدا بخش الوطنية العريقة هناك، لما فيها من كنوز المخطوطات الشرقية والإسلامية، منها خمسة آلاف مخطوطة باللغة العربية تستحق المجيء إليها والإتيان ولو على جزء من عناوينها.
ولأن السفر يقود المسافر إلى أسرار المكان، فكانت بالنسبة لي «باتنا» مدينة من المدن القديمة القليلة من بين مدن العالم في زمننا المعاصر التي تمارس المساواة والتسامح على فطرتها، فعلى قدر ما تحمل من اختلاف الأديان والمذاهب بين المؤمنين والمثقفين والتقليديين، إلا أن لديهم القدرة على ممارسة التقبّل فيما بينهم ولبعضهم البعض أثناء العلاقات الاجتماعية، خاصة أن المدينة تحمل في تاريخها ممارسات دينية مهيبة ومباني مقدسة لشخصيات مثل السيخ والصوفيين والمسلمين.
كما أنه من القوة ألا يكون هناك نزاع في مدينة «باتنا» وحولها الأراضي الزراعية الشاسعة والممتلكات المغرية، وهي المعروفة اليوم بمدينة الزعفران، وأزهار الورد ونهر الغانج والحج، وصناعة الورق والحجر والزجاج وقصب السكر والقمح والذرة والأرز... وحقول الخيرات الممتدة خارج المدينة وكل ما يجعل من عليها يخلق حجة للخصومة والعراك، أمام اختلاف المعتقد والثقافات واللغات، كما في المدن الأخرى.
«باتنا» أو عظيم آباد كما كانت تسمى يوماً، وأسماء أخرى كما ذكرها المؤرخون، تبقى مدينة المقاطعات التي تحكمها عائلات ثرية تجاور مدينة الحج المقدسة للسيخ (الله آباد)، وبالمقابل فيها من المساجد الضخمة، والمعابد، دون مساس، وبوجهة نظري هي بوابة للحضارة الهندية المتسامحة، فـ «باتنا» العريقة اليوم تعطي درساً لبقية المدن التي دخل عليها المغالاة والمفاضلة على القبول والتسامح.