أكملتْ هذا العام (مكتبة الراس العامة) في ديرة عامها الستين على تأسيسها، وبالتحديد كمكتبة أولى من بين فروع المكتبات العامة في دبي، كان ذلك عام 1963 حين تم افتتاحها وبإشراف من الحاكم شخصياً، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فكانت مجهزة بمائة ألف كتاب، و170 دورية من مجلات تعني بشتى أنواع العلوم والأدب والتربية والفنون، كما احتوت المكتبة على مرافق سمعية وبصرية، وقاعة للقراءة، وقسم منفصل لأدب الأطفال. كانت بداية مشرقة لاستثمار ذكي وغني وعميق، لتتوالى الافتتاحات بعدها في السنوات اللاحقة تباعاً لمكتبات دبي العامة، مع تسمية كل فرع على المنطقة المبنية عليها، فتم تنفيذ مكتبة هور العنز العامة، ومكتبة الراشدية العامة، ومكتبة الصفا، وأم سقيم، إلى تأسس مكتبة حتا العامة، والطوار، فالمنخول.

ولأن المكتبات بريق المدينة، فإن مكتبة الراس في ذاكرة المجتمع الدبوي، هي ذاكرة معرفية، خاصة في ستينيات منطقة الراس التاريخية، وفي أقدم أحياء ديرة، وما فيها من علاماتها البارزة، كسوق الذهب، وسوق التوابل، ومدرسة الأحمدية، والمنزل الأثري للوجيه أحمد بن دلموك... ومكتبة الراس بجانبهم كانت علامة ممتدة لمكتبة عربية، وتراثاً في حَيّ عريق أسهم معرفياً. ولأن المكتبات في جميع أنحاء العالم لم تتغير في مهامها، فحقيقتها الأولى جمع المعرفة ونشرها، فلا تغيير سوى في ترتيبها، لنلاحظ كيف تغيرت مؤخراً المكتبات العامة في دبي حتى لا تفقد بريقها مع زمن الرقمنة أو الوسائط الرقمية، والموسيقى الرقمية، وخدمات البث، وأعطت فرصة للقارئ، لبرمجة الروبوتات، وتقديم برامج التدريب لأمناء المكتبات...

كما كانت يوماً مكتبة الراس ومنذ افتتاحها عام 1963م، أنيقة ومتقدمة كما هي دبي الأنيقة، والمنفتحة الآن على الوسائط الجديدة، وبأقصاها، متحلية بالشجاعة لتغييرات لا بد منها، أمام العائلات وهم يفكرون في استبدال المكتبة الورقية، إلى مكتبة رقمية في منازلهم، وعلى أثرها أخذت بعض المكتبات العامة تعرض الكتاب الإلكتروني تماماً كما الورقي، وتدع الاختيار للقارئ، بين قراءة أي عنوان في حزمة أوراق، أو عروض من الكتب الإلكترونية. ونكتب نحن اليوم بضوء القلب والانتظار، لمكتبة الراس العامة، كي تفتتح أبوابها من جديد في منطقة الراس العريقة، وتصنع واجهتها هذه المرة، من أمام الخور والعبرة، إلى الفضاء الرقمي.