حَفلَ تراثُنا العربي بقصائد لامية؛ عدد النجم والحصى والتراب، فيها من عيون الشعر قصائد لا تجارى، وألسنة لا تُبارى، وفرائد لا تُعاب ، ولا سبيل إلى الإطناب، إلا في قرطاسٍ أو كتاب.
وقيل إن كُثَيِّر نظم 30 قصيدة لامية من الطوال ، وما وصلنا منها، لم يزد على ألفي سطر، تناثر أكثرها.
فأول من خَسف عينها ؛ المهلهل التغلبي، والحارث اليشكري؛ وإنْ أجمعَ الرواةُ على سبق الحارث بلاميته :
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
على لامية المهلهل :
ليس مثلي يخبر الناس عن آ ... بائهم قتلوا وينسى القتالا
وكلتاهما في الرثاء.
قال ابن كثير عن لامية أبي طالب...: «هي قصيدة بليغة جدًّا، لا يستطيع أن يقولها إلا مَن نُسبت إليه، وهى أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى»:
خليليَّ ما أُذني لأول عاذل ... بصغواء في حق ولا عند باطل
ثم جاءت لامية كعب المباركة:
بَانَتْ سُعَادُ، فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبُولُ، ... مُتيَّمٌ إثرَها، لَمْ يُفْدَ، مَكْبولُ
ومن اللاميات التي يحفظها الطلاب والمتأدبون، لامية ابن الوردي :
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل
ومن قبلها لاميات الأعشى ، والجعدي، وابن الزِّبَعْرَى.
وكانت العرب تغي بشعر الأول وتسميه «صناجة المعرب»:
ودِّعْ هريرةَ؛ إن الركب مرتحلُ ... وهل تطيق وداعا أيها الرَّجُلُ؟
كذا لامية الجعدي:
إِمَّا تَرَي ظُلَلَ الأَيَّامِ قَدْ حَسَرَتْ ... عنِّي، وشَمَّرْتُ ذَيْلاً كَانَ ذَيَّالا
ولامية ابن الزِّبَعْرَى:
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إنَّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ
ثم ظهرت لاميات الزمخشري، وأبي حيان الأندلسي، والفيروز أبادى، وكلها قيلت مجاراة لقصيدة كعب.
أما الزمخشري فمطلع لاميته:
أضاء لي باللوى والقلب متبول ... نجدي برق بنار الحب موصول
ولامية أبي حيان :
وإذ قضيت غزاة فأتنف عملًا ... للحج فالحج للإسلام تكميل
غير أن لاميتي العرب والعجم ، هما اللتان كتب لهما الخلود، وهما مدار حديثنا في المقالات المقبلة.