يحمل اليوم عشاق القراءة مكتبات العالم في يدهم، وبجميع اللغات، دون الشعور بثقلها، في جهاز رقمي بحجم اليد، مصمم بأدوات تحكم سهلة، وبضغطة زر. جهاز يعالج النصوص، ويدخر المال، ومساحة البيت، ويجعل حامله مساهماً في الحفاظ على البيئة، والأهم أنه يجعله يقرأ أكثر.

هذا المنتج البارع يباع بسعر معقول، ومع ذلك لا ينتشر في عالمنا العربي كما يجب، بحجة أن شراء الجهاز بحد ذاته مغامرة، فهو يحتاج إلى شحن وقابل للكسر، والضوء المنبعث من الشاشة الأمامية طوال الوقت مزعج، كذلك حرارة الضوء خلف الشاشة، وبالتالي لا يضاهى بالكتاب الورقي.

وهذا يدعوني العودة للتاريخ، وأول كتاب إلكتروني طبع عام 1949م، حينها كانت الآلة معقدة نوعاً ما، فلم يستسغها القراء، ولم يروا ضرورة لشراء كتاب إلكتروني، إذن كانت المواجهة ضعيفة بين القارئ والكتاب الرقمي، فلم ينتشر كما ينبغي.. حتى نشر المؤلف الأمريكي جيري بورنيل، عام 1981 كتابه الإلكتروني، وهو معروف برواياته الخيالية والعلمية، مؤكداً باستمرار أنه سفير المستقبل، ومع ذلك لم يتشجع الناس باقتنائه، وكأن الكتاب الورقي حالة شاعرية وذهنية، يجب ألا تمس تواصلهم معه، على الرغم أن التصوير الفوتوغرافي والموسيقى تم عرضهما رقمياً في السنوات الأولى من القرن الحالي، وتفاعل الناس معهما بقوة، وحتى كاميرات التصوير الرقمية أصبحت راسخة، سوى الكتب الإلكترونية، التي أخذت وقتاً أطول.. وظلت المواجهة صعبة مع الكتاب الإلكتروني، فأغلب قراء العالم في فصل الصيف مثلاً يقرأون على الشواطئ، ويفضلون الكتب الورقية، وفي الشتاء لا يحبذون الضوء المنبعث من الشاشات، بينما الكتاب كائن ورقي شعوري وليس آلة،

لكن أمام التغييرات السريعة خلال السنوات الأخيرة أصبح الأمر يدعو إلى الفخر في أن تمتلك مكتبتك العالمية الخاصة بك بين يديك، مكتبة تعمل بدقة، ولا تقاس بالسنتيمتر، بل بالجيجا، من خلال جهاز نموذجي بوزن 100 جرام فقط، مهما كانت سعة التخزين، ولن يدفع القارئ ثمن الكتب إلا من خلال خدمات الاشتراك، ليتم الوصول للكتب بسهولة وسعر زهيد.

هذه التقنية الباهرة القادمة ستغير مشهد القراءة، وسوف يظهر جيل شغوف أكثر بالاطلاع، ولا بد من مواجهة النهضة بكل ما فيها من تخيلات.