لا أحبذ تكرار الكلام، وبالأخص عندما يكون الموضوع قد استهلك كثيراً من كتّاب آخرين، ولكن للضرورة أحكام، وهنا سوف أتحدث عن واقع حيّ نعيشه، وتاريخ قد تم اختزاله بين التأييد والرفض، يكون حسب وجهة نظر المتلقي وميوله، ففي السنوات الأخيرة، أكد بعض الباحثين أن عدداً كبيراً من الكتب العربية والاكتشافات العلمية التي قام باكتشافها المسلمون، قد تمت سرقتها بواسطة الغرب، ولكن! هل يعني ذلك تصديق كل ما يكتب حول السرقة الفكرية التي تنسب للمسلمين عادة؟

لن أقوم باستعراض جميع الأفكار التي تم طرحها في هذا الموضوع سابقاً، والتي قد تكون صحيحة، ولكنني سوف أعرض لكم فكرة سمعتها في أحد المجالس، وعند بحثي عنها اكتشفت أن هناك كتباً وصحفاً قد نشرت هذه الفكرة، وهذا "المضحك المبكي"، لأن العدد الهائل من الناس الذين قد صدقوا ذلك من دون وعي فكري يعتبر مأساة كبيرة.

ومثال ذلك أن أغلبنا يعرف الشاعر والكاتب المسرحي العالمي الإنجليزي (وليم شكسبير)، الذي عُرِف بأعماله الشهيرة مثل "روميو وجولييت"، والذي لم ينطفئ سراج كتاباته إلى يومنا هذا بالرغم من وفاته منذ أكثر من 400 عام.

لن أتحدث عن أعماله، لأن المعروف لا يعرّف، ولكني سوف أتحدث عن اسم عائلته، ففي الأعوام الماضية ظهر الكثير من الادعاءات والأقوال من عدة صحف وكتّاب عرب ينسبون اسم عائلة وليم شكسبير للمسلمين، وقبل أن تقوموا بالحكم على الموضوع دون الانتهاء منه، دعوني أكتب لكم كيف فسروا ذلك.

قاموا بتقسيم اسم "شكسبير" إلى قسمين: القسم الأول من الاسم هو "شك"، أي أنه يعني "شيخ"، والقسم الثاني هو "سبير"، ويعني بالعربية "زبير"، وخلاصة ذلك أن اسم عائلته "شيخ زبير".

وهناك قول آخر نشره أحد أساتذة الأدب المقارن في جامعة أكسفورد، وهو باحث من أصول عراقية، وادعى أن وليم شكسبير ليس من أصل إنجليزي، إنما من أصل عراقي وينتمي إلى منطقة "الزبير" العراقية.

لعله أمر مضحك للبعض منّا أن يرى مثل هذه الادعاءات التي تنتشر بين الناس، والتي لا أساس لها من الصحة، فالتاريخ يشهد على انتشار اعمال وليم شكسبير، الذي ولد في بريطانيا وترعرع في كنف عائلة إنجليزية بحتة.

دعوني أؤكد لكم أن الكثير من الناس يصدقون مثل هذه الأقوال ويتفاخرون بأن أصل وليم شكسبير عربي، وهذا الجانب المحزن في الموضوع، فكيف لنا أن نصدق أنّ من عاش ومات في دولة أجنبية أن تكون له ذرة انتماء لعروق عربية أو مسلمة، ونقوم بالتنظير عنه وهو متوفى منذ أكثر من 400 عام.

مقارنة بين الماضي والحاضر، يمكننا ملاحظة "التزييف الإعلامي" والنشرات التي تصدر من جهات مختلفة عالمياً، وكل جهة تقوم بنشر ما يناسبها وتزييف ما لا يناسبها، وهذا يعتبر تزييفاً فكرياً تاريخياً، فهناك من سيقوم بالاعتماد على هذه التزييفات الإعلامية للكتابة عنها في أبحاثه وكتبه، ونشرها لتبقى أفكاراً تتناقلها الأجيال وتصدقها، لأن الأبحاث والكتب تعتبر مصادرَ معتمدة وموثوقة، وهذا يعني تدمير حضارات موجودة اليوم، وقد تندثر في المستقبل بسبب هذه "الفبركات" الإعلامية.

يجب علينا أن نفكر ملياً قبل أن نقوم بالتنظير وإطلاق الأحكام على كل ما يتم طرحه لنا، وألا نصدق كل ما يكتب حتى لو سيثرينا ويضيف لنا ولهويّاتنا، فذلك قد يعتبر ظلماً وإجحافاً بحق الآخرين، وقد يسهّل على البعض أن يقوم بنشر أفكارنا ونسبها له مستقبلاً. فاستقلالية الأفكار أمر مهم، والدليل على ذلك أن المؤسسات التعليمية وهي أساس أي مجتمع متحضر، تحظر وتخالف الغش والسرقة الفكرية بكل أشكالها.