منذ بداية القرن الماضي، شهد التاريخ تغييراً جذرياً في كافة جوانب الحياة، حيث إن ثورة تقنية المعلومات ظهرت واستطاعت أن تسرع عملية التطور والعولمة، مما أدى إلى وصولنا اليوم لحياة مترابطة بجميع أقطار العالم، حيث نستطيع بالأجهزة الإلكترونية التي عادة ما تكون موصولة بشبكات الـ "واي فاي"، التواصل مع من هم في الجانب الآخر من الكوكب.

لن أتحدث هنا عن النظرية النقدية التي طرحتها مدرسة فرانكفورت بأن حياة المدينة تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، بسبب أنها إحدى المدمرات للمجتمع، والابتعاد عن الترابط الاجتماعي الذي تحويه المدن الريفية والقرى النائية، وقلة الوازع الديني لدى أفراد المجتمع المتمدن.

ولكن سوف أتحدث اليوم عن النظريات التي يتم طرحها باستمرار، ولن يتوقف الناس عن الكتابة عن مثل هذه النظريات التي قد تساعد مثل هؤلاء الأشخاص على اكتساب بعض الانتباه.

ثورة تقنية المعلومات التي بدأت منذ بداية القرن الماضي، ساعدت الكثيرين على التنظير بالمتغيرات في عدة مجالات، مثل المجال الأدبي والثقافي، بحيث إن الكثير كان ينظر إلى أن المسرحيات حول العالم سوف تتوقف، وبدأ هذا التنظير عند ظهور الإذاعات والتلفاز حول العالم.

في الوجه الآخر، عند قراءتي للأبحاث والإحصاءات التي تنشر سنوياً عن مرتادي المسارح حول العالم، فإنهم يتعدون مئات الملايين سنوياً، وهذا يثبت أن ما بدأ منذ أكثر من 2600 عام، أي في القرن السادس ما قبل الميلاد حسب كتاب أرسطو (فن الشعر)، أنه مهما كان تأثير التطور حول العالم قوياً، فإنه من الصعب جداً اندثار مجال ثقافي وأدبي بكل بسهولة.

إضافة إلى ذلك، قام الكثير من الكتاب بالتنظير في هذه الفترة بعد ظهور منصات إلكترونية مختصة ببث الأفلام والمسلسلات الحصرية مثل "نت فليكس"، و"أمازون برايم". إن دور السينما والمحطات الفضائية سوف تندثر مع الأيام، لكن هذا يتناقض مع المنطق الذي يقول بأن هذه المنصات لم تصل حتى الآن إلى أكثر من 3% من سكان العالم بالرغم من نشأتها منذ أكثر من 20 عاماً.

هنا يمكنني القول بأن الكثير منا يعتقد أنه بسبب وقت الفراغ الذي نعيشه خلال جائحة كورونا قد يكون سبباً رئيساً لازدهار مثل هذه المنصات، ولكن ما لم نلتفت إليه هو مشكلة البطالة التي انتشرت حول العالم، والتي تعني انقطاع الموارد عن الكثير، وعدم مقدرتهم على تحمل تكاليف ثانوية مثل الصرف على هذه المنصات.

قبل تصديق النظريات المبعثرة في الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي، يجب علينا مقارنة هذه النظريات بوقائع تاريخية حدثت، وإمكانية حدوث هذه النظريات، فأغلبية النظريات التي تُنشر دون دراسة حقيقية تكون نسبة حدوثها أقل من 1%، ولكن نسبة تصديقها 99%.