وسط ميادين الواقع تسقط أقنعة البعض وترفع القبعات للآخرين في حلبة رفعت بها راية الفوز لأحدهم وسجلت صفراً للطرف الآخر في إطار فرضه الحكم المسبق الذي استند إلى زوايا محصورة تتوافق مع هوى وميول من يقوم بالحكم.

تجد فئة من الناس يطلقون رماحهم الثاقبة من النظرة الأولى كأنهم يسمعوننا طلقات بارود مميتة استطاعوا من خلالها أن يمحوا أثر الزاوية الإيجابية التي يمتلكها الشخص الآخر. ولو سنحت لهم الفرصة الكاملة في الحكم على الأشخاص لصنعوا من البعض صورة ملاك سقط من السماء إن رأوا فيه شيئاً أعجبهم وإن لم تكتمل الصورة الخافتة في أذهانهم المقفلة تجدهم يجهزون نعش ذلك الشخص قبل يومه!

إطلاق الأحكام على الآخرين من دون معرفة سابقة بهم في منتهى التعسف والظلم وخاصة إذا كان الحكم مستنداً إلى المظهر الخارجي فتجد البعض يقول بينه وبين نفسه إن ذلك الشخص يمتلك ملامح توحي بالتكبر والغرور ولكن عفواً لا يستطيع الطرف الآخر أن يجري عملية تجميلية لوجهه في ذلك الوقت إرضاء لتغيير الصورة المسبقة التي قمت بحياكتها في عقلك الباطن! ولكن هنا يأتي السؤال الأصح وهو هل معادن وأصول الناس تأتي من ملامحهم ومظهرهم الخارجي من دون الجلوس معهم ومحادثتهم ومعرفة الجوهر الداخلي لهم؟! للأسف وصلنا لمرحلة أصبح بها الناس يحددون منزلة الآخر اعتماداً على حواجز ضيقة.

ومن هذي المرحلة يرفعون البعض منزلة جنات النعيم والآخر يجعلونه في الدرك الأسفل من النار! الحكم المسبق على الآخرين من دون وعي يتسبب في نشر الصورة الرمادية عن ذلك الشخص وتشويه سمعته وخلق العديد من المشكلات التي من الممكن أن يواجهها ذلك المجني عليه لأنه علق في مشنقة أعدمت الخلفية الحقيقية له .

وذلك بسبب التسرع والجهل المركب الذي طغى على نفوس هؤلاء الناس حتى أصبحوا يظنون أنهم لجنة تحكيم أمسكت أمور الحكم على الأشخاص بضغطة زر تحدد مصيرهم! تكوين الصورة المسبقة للطرف الآخر من الممكن أن تستند إلى عوامل كثيرة قد تصل للبعض في خلق دوائر غير قابلة للنقاش ولا من الممكن أن تقنع تلك العقول الباهتة بالأدلة الدامغة! للأسف نشهد حصيلة هائلة من البشر الذين دفعوا ضريبة الحكم المسبق في حياتهم .

وذلك يعود لنقص الوعي حول إعطاء الوقت الكافي لمعرفة شخصية البعض ودراستها قبل رفع الزناد على الضحية التي وقعت في حرب أصبح بها الجهلاء يرمون هؤلاء الأبرياء بلسانهم السليط وحكمهم المزيف، داء الحكم على الآخرين بدأ يمد سمه في عقول أفراد المجتمع ما جعل اللقاح المناسب لهذا المرض هو نشر الوعي المجتمعي حول النتائج المترتبة على مثل هذه السلوكيات التي من الممكن أن تجعل البعض يسقط في الفخ بسبب الألغام الفكرية المتحجرة التي باتت تزداد يوماً بعد يوم.