في كل مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، نجد أن التعامل معه يصبح وفق بروتوكولات معينة ومحددة، ونجد أن الكتب العلمية والمحاضرات التربوية والتعليمية التي تتعلق بتربية الأبناء ممتلئة بالمعايير التي تتعلق بكل فئة عمرية من لحظة الولادة وحتى الكهولة، وفي أحيان أخرى يتم احتساب مرحلة ما قبل الولادة كإحدى الفئات الرئيسية التي تتطلب تعاملاً خاصاً من قبل الأم مع حملها، ومن قبل الزوج مع زوجته، ومن قبل المحيط في تعامله مع هذه السيدة التي أصبحت لها متطلباتها الخاصة في هذه المرحلة لأجل ذاك الجنين.
ومن ثم تأتي مرحلة الولادة وحتى الـ 5 سنوات الأولى، فيتداول المربون والأخصائيون والأمهات والآباء أن الطفل في مرحلة حساسة جداً ويحتاج إلى رعاية خاصة، بدءاً من وجباته ومراقبة ردود أفعاله وكيفية لعبه وتركيزه واهتماماته، وأن الوالدين بإمكانهم تشكيله لأنه «كالمعجون»، فيزرعان في عقله وقلبه الأفكار والسلوكيات الحميدة حتى يصبح فرداً يانعاً يعتمد عليه عند بلوغه ونضجه ليرتاح الوالدان حتماً.
وما إن تمرّ المرحلة حتى تبدأ سنوات الحوار والاهتمام واختيار الأصدقاء والخوف على المعتقدات، وضرورة التركيز على ما يحب اليافع وما يكره، وكيفية تبني مواهبه وهوايته، فهي أيضاً مرحلة حساسة تتطلب اهتماماً وروية، تليها مرحلة ليس لها اسم في قواميسنا، فهي الفترة التي ينتقل فيها المرء إلى الجامعة وفي بداياته، يتداول كلمات مثل التريث والانتباه والتركيز وضرورة وجود محيط إيجابي يعينه على اختيار تخصصه وبناء الـ 20 أو الـ 30 سنة القادمة من حياته فبذلك تصبح سنة حساسة!
وفي خضم سنوات الجامعة، تحدث أعظم التغييرات في حياة الإنسان، كأن يتخصص في مجاله، يكوّن أسرة جديدة، ينجب أول أبنائه فينضم إلى فريق المربين ومجموعات أولياء الأمور على «الواتساب» ومتابعي أساتذة تربية الأبناء والبيوت السعيدة وغيرهم، وبهذا فيصنف سنواته تلك بالسنوات الحساسة على أية حال لحجم التغييرات التي يمر بها، وما إن تستقر حياته ويتدارك نفسه حتى يصل إلى عمر الـ 30، والذي يعتبر تجاوزه تجاوزاً لاختبار حقيقي في النضج والاستقرار الفكري والجسدي، ويظن بذلك أن سنواته لن تكون حساسة بعد الآن ليعيش حياته بكافة تفاصيلها، ويستعد لإنجاز مغامرات جديدة ويضم إلى مكتبته كتباً بالمئات، ويضم إلى هواياته شيئاً لم يعتد القيام به البتة! حتى يصل إلى سنواتٍ حساسة جديدة لم تكن في الحسبان، مرحلة بلوغ الـ 60 وحتى الكهولة، تلك التي يدعو لها الإنسان طيلة فترة شبابه، بأن يكون عمراً مديداً في طاعة الله وبكامل عافيته وسلامة عقله وشباب روحه.
وفي آخر تلك السطور الممتلئة بالسنوات الحساسة، يدرك المرء أن لكل مرحلة في حياته خصوصيتها، وأن عليه أن يدرك جليّاً معنى أن يكون لطيفاً مع كل البشر باختلاف أعمارهم وظروف حياتهم، فلسنا بحاجة إلى أن نعرف كل شيء عن فلان لكي نحسن التعامل معه، أو أن يشكو آخر لنا مشكلاته لنتدارك كلماتنا ونطرح حلولنا له. تلك السنوات الحساسة التي يعيشها كل امرئ منا بحاجة إلى إحساننا، وتجاوزنا لها بسلام وحب واهتمام، وبحاجة إلى أن نلتفت لها قليلاً، كونوا بخير!