إن الحياة بكل ما تحتويها من جماليات ومحاسن مخفية إلا أن الجمال وقف في زاوية حتى عجز عن وصف لغة تحمل بين أحشائها أجنة من الفصاحة والبلاغة وأنجبت من رحم الزمان حروفاً نقشت بحبر الطلاقة حتى أعجب الجميع بها ومن لا يعجب بلغة لها من الاشتقاقات بحراً ومن مأخوذاتها البديعية شعراً، لغة إذا لمست بها حرفاً تحركت باقي الأوتار في مخيلتك لتنتج لحناً عربياً كلما عزفته الغيوم من ثغر الناي أمطرت من بين سحبها غيثاً ترتوي به الأوطان، حتى تغنى بها أحمد شوقي قائلاً: إن الذي ملأ اللغات محاسناً جعل الجمال وسره في الضاد.

وإن سألنا حكيم الزمان قال: أتسألونني عن لغة تختلف معاني مفرداتها بتغيير الحركة الإعرابية لتدل بالفتح على معنى وبالضم على معنى وبالكسر على معنى مختلف بتاتاً. لغة تصف الحياة بتشبيه تام وتترنم من بين قصائدها حتى تنهي البيت الشعري بجناس يطرب الآذان. وتتولد الألفاظ عن طريق الاشتقاق وتذهل العقول في سماع الاستعارات التي تخبئ بين أحضانها معاني مخفية تجعل القارئ يفكر ألف مرة قبل أن يطلق الحكم من النظرة الأولى. وإذا سألوك عن اللغة العربية قل هي لغة جعلتنا نستمع لفصاحة المعاني بلسان المتنبي، ومنها تعرفنا إلى أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كلما قرأنا أبياته الشعرية تهنا في جمال البلاغة والطلاقة، ومنها استطعنا التعرف إلى المعلقة الأولى التي كتبها امرؤ القيس حتى تناولها جميع الغارقين بحب اللغة العربية ويذكر في مطلعها: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل. لغة وصفت لنا معاني الحب والود بشعر الغزل وهي كما متعنا بها قيس بن الملوح حينما وظف جماليات اللغة العربية ليصف حبه لليلى العامرية.

هل سمعتم يوماً بلغة لا تظهر على ملامحها تجاعيد البؤس واليأس لأنها بالأساس لا تمر بمرحلة الشيخوخة بل تزدان شباباً وجمالاً مع مرور الزمن؟ نعم يا سادة إنها اللغة العربية التي تتميز بمرونة عالية تمكنها من التكيف مع مقتضيات العصر فهي لا تحتاج إلى أي مساحيق تجميل لتتجمل بل إنها فاقت الجميع بجمالها الأخاذ ولن يرى هذا الجمال إلا لمن يغرق وسط بحرها ويخرج منها لؤلؤاً براقاً.

في 18 ديسمبر من كل عام ترسم معالم مستقبل لغة الضاد من خلال الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لتمتد جسور التواصل بين العالم، إذ إن نشر اللغة العربية وحضورها عالمياً يشكل نقلة نوعية مهمة حول رسم مستقبل لغة الضاد بوصفها لغة تعايش التطور والتغييرات التي تواكب هذا العصر. في هذا اليوم أود أن أوصف مدى فخري واعتزازي باللغة العربية مستخدمة حروفها الجوهرية ومفرداتها البناءة قائلة: «لغتي وإن كثرت اللغات تبقين كالبدر الوهاج يرى بريقك من المحيط إلى الخليج».