{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}
في مرحلة ما من اليقظة والنضج تقسو علينا الأيام وتؤلمنا اختبارات الحياة، لا نطيق الصبر فيها ولا الانتظار حتى نرى النور في آخر الطريق، كل ما نوده هو استراحة محارب. اكتفينا من الصعاب والخوض في صراعاتٍ مع الحكمة، تبتلعنا الحسرة على أنفسنا مراتٍ عدة، وتضيع البصيرة عن عقلنا فيتملكنا اليأس منقضاً على آخر طرف حبل الأمل، ونصف حظنا بالعاثر، نسخط على أنفسنا، ونقلل من قدر كفاحنا ومحاولاتنا التي نراها دائماً ليست كافية.
علمني كفاحي مع الحياة بأننا مهما سخطنا وبكينا لن يجدي ذلك نفعاً، فهي ليست سوى لحظاتٍ صغيرة من التنفيس وطرد الطاقة السلبية من خلال الغضب والبكاء، تليها مراحل طويلة من الحزن والاستسلام، تعلمت أنه كلما زادت عدوانيتنا نحو ظروف الحياة ورفضنا للواقع زاد بنا الحال سوءاً وشدة.
علمتني الحياة أن باب الرضا لا يفتح ولا نصل عتباته إلا بمفتاح الصبر، فالصبر مختصر آخر لطريق نطيل السير فيه بإرادتنا وتغيب البصيرة النافذة والحكمة بسبب سوء فهمنا وتفسيرنا لوقائع الحياة.
الصبر سلاحك القوي الذي سيشق صدر الحياة فيك لترى عجائب الخالق في تيسير الحال وتغيير منعطف الحياة نحو طريق يفوق التوقعات. كلما قلصنا توقعاتنا بكل شيء وتوقفنا عن الجري خلف الفهم والبحث عن الأجوبة التي تفسر كل ما نمر به، اقتربنا من الصبر، فالانتظار ومشقته توصلنا للصبر، أن نقف بوجه الحياة موقنين ومؤمنين أن خلف الغمامة نوراً سيسطع ويزيل عنا ظلامها.
حين نتقن الصبر نصل لمرحلة أعظم وهي الرضا، الرضا بكل شيء، بصغائر الأمور وكبائرها، الرضا بالقليل وبالحال، الرضا الذي يبتسم القلب معه مطمئناً دون أن تربكه الصعاب أو كيد الزمان، الرضا الذي تحلو به الحياة ونستشعر به قيمة الأشياء ببساطتها ولذتها، الرضا الذي ينهي نزاع العقل والقلب، فلا سخط ولا يأس وإنما روح ملؤها السلام والسكينة، قنوعة تقابل الأيام بحكمة ونباهة ورزانة القلب.
في الختام، قاوم عجرفة الزمان وقف في وجهه بحكمة وبصيرة تشد بها عزمك، تمسّك بالصبر، وسِر في الحياة ببهجةٍ تملأ الروح فالحياة جميلة، كن صبوراً لتكون راضياً حتى تصل لقناعة تامة بأن كل أمرك خير، وما كتب لك ما كان سوى طريق آخر نحو سعاداتٍ مليئة بالجبر والعوض. وتذكر دائماً: الصبر مفتاح الرضا.