هي في تصويرها كالنخلة الطيبة، هي في معناها الراسخة كرسوخ الجبال، لا يتساقط ورقها، ولا يفسد نتاجها، حسنة المخبر وكثيرة الثمر، هي البركة، وهي في أساسها كالبنيان المرصوص، كلما سقيتها وحافظت عليها، كلما كبرت ونمت بالصورة التي حافظت وربيتها عليها، سقياها من المودة والرحمة، عمودها الفضل والإحسان، قائمة على اللين والكلمة الطيبة، جذورها ممتدة ومترابطة من ماضٍ كثيره حكمة وتجارب، عادات وتقاليد، مبادئ لا تحتمل التغيير، سنع وكرم، هي البذرة الأولى من كل شيء، هي المستقبل الأول في ولادة الحياة، الضمان والملجأ، السكينة والطمأنينة، الاحتواء والاستقرار، الدافعية والتحفيز، الأفكار الأولى التي يختزلها العقل، الهوية والإجابة عن من «أنت»، هي أعمق من ذلك وأكثر هي الأسرة.
العولمة تتحدى الإنسان يومياً رغم أنها «نحن»، من الغريب فعلاً أن يتحدى الإنسان نفسه، نريد كل ذلك إلا أننا نناقض أنفسنا كثيراً، نوجد الفرص والتحديات، نبني العوالم ونكتشف ما وراء الغموض، نسعى نحو عجائب تفوق وعي العقل، نوجد حلولاً للعوائق ونبتكر حياة أسهل وأفضل، إلا أننا لم نفلح بعد في وضعها في كفة ووضع هويتنا في كفة أخرى، ألا يختلط الحابل بالنابل، ولا تمس قدسية وخصوصية الأسرة ببريق ولمعان العولمة.
يزداد بنا التحدي في الحفاظ على مفهوم ودور وحرمة الأسرة، في عالم يزداد التعقيد والتحوير فيه، عالم بات الخوف من خباياه تحدياً آخر على عاتق كل أسرة، والفجوة الكبيرة بتغيراتها ومعطياتها بين جيل اليوم وجيل الأمس، أن تبصر أجيال اليوم ما عليها وما لها ولكن «كسلاحٍ ذو حدين»، أن تنبهر نفوسهم للجديد والدخيل المختلف عنا وعن أصالتنا، أن يستسهل الحرام على الحلال، أن يتمسك الجيل بعقيدته وفطرته، أن لا يتعدى الانفتاح الكبير على الثقافات المختلفة على المفاهيم والقواعد الثابتة لدينا التي لا يسمح فيها بتعدي الحدود الحمراء لها مثلاً كديننا الإسلامي وما يشمله من أحكام ونهي، أن نعلمهم أهمية أخذ ما يصب في منفعته وإصلاحه وتطويره للأفضل وليس كما يقول المثل: «مع الخيل يا شقرا». بمعنى آخر لا تكونوا «إمعة».
ولاة الأمر، أعمدة البيوت وحصنها، الأب والأم، الزوج والزوجة، أنتم من تقودون السفينة، إن فسد العالم من حولنا وضاعت الطرق أنتم الملاذ والوجهة والبوصلة، علموا أولادكم وازرعوا فيهم اليقين بأن بهم تقوم الأمم، صلاحهم من صلاح المجتمع والعالم، علموهم أن يدركوا جيداً بأن ليس كل ما يلمع ذهباً، هنالك من يلمعون فكرهم الضال ومبادئهم العقيمة وآراءهم السقيمة، علموهم أن يفتخروا ويعتزوا بهويتهم، لغتهم، عروبتهم ودينهم، دين الرحمة، والتسامح اليسر والعدل والإيثار، علموهم أن يقدسوا العلاقات ويحترموا الآخر، أن يحفظوا الأمانات، أن يقوموا على مبدأ العفو والصفح لا العين بالعين، وبينوا لهم أن بالمودة والرحمة تصان العشرة وتستمر، بالحوار والنقاش تنتهي المعضلات، بالكلمة الطيبة والشورى الحسنة، بالصبر والرضا تدوم السعادة، بالعلم والمعرفة تزدهر النفوس، بالاستمرارية والأمل والسعي، بكل جهد يبذل ويحتسب في ميزان الله بكل ذلك تحاز الغايات، لا نجاح دون تعب ولا وصول دون سقوط، أن يقنعوا بما بين أيديهم، أن الوطن أمانة وصونه برقابهم ورد عطائه يكون بالإخلاص والانتماء.
رددوا ورابطو على قلوبكم في زمنٍ قلوبنا تستعيذ به على قلوب ونفوس أبنائنا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } الفرقان – 74.