في الآونة الاخيرة من حياتي فقدت نوعاً ما هوايتي بتأمل الطبيعة، وبات ما أفعله هو تأمل الجنس البشري وكيف يتصرفون وكيف يتم خداع البعض، في القريب البعيد استمعت إلى أحد الأشخاص في حفل بكلماته محكمة السجع مجودة التنميق، مشبعة في أفكار الآخرين وأقوال العلماء، تارة يستدعي أشعاراً تنثر الحماسة في الأجواء فيصفق المساكين مطربين، وطوراً يأتي باقتباس من الغرب أو من كتب الراحلين فينسب الأشياء لنفسه، وتارة يطرح لنا أفكاراً ألفها من نسج خياله.

لكن، لحظة من فضلكم أليس هذا الأسلوب في الحديث نلاحظه في خطابات المنافقين والمناسبات الاجتماعية، لقد تحول إلى سمة مسمومة في المجتمع وسمة طاغية.

الإفراط في سرقة أفكار الآخرين وسجع الكلام وتنميقه يشجع على الزيف والسطحية، لأن الناس لا تقيس الخطابات بما تتلقاه عقولهم منها وبما تتضمنه من أفكار عملية نافعة، فيصبح مقياس قوة الخطاب في براعة القدرة على تنميق الكلام وتزويقه، حتى صرنا نسمع من يصف فلاناً أنه ملهم ومفوه دون أن ينتفع منه بفكرة واحدة، فقط لأن فلاناً يحسن تأجيج الناس وتهييجهم بالخطابات الفارغة من المضامين، ولم يخطر على بال أحدهم الذهاب والتحري عما يقوله.

في الحقيقة أصبحنا نفتقد كثيراً الشعور الحقيقي الأصيل، «المجتمع الحي» صاحب الضمير الحي الذي يتشارك فيه الناس بمشاعرهم الحقيقية، وتتشارك العقول بقدرتها على طرح الحجج والأدلة المقنعة والإجابة عن الأسئلة المثارة.

لا تحتاج حياتنا إلى مزيد من التنميق، بل تحتاج إلى الأصالة، تحتاج إلى أن نعبر عن ذواتنا الحقيقية، وتتشارك عقولنا الأفكار النافعة حتى نوجد بيئة صالحة للتفكير والنماء بصدق لا خطابات وخواطر من أشخاص عدة لا نعرف ما هي نواياهم. نحتاج أن نربي أطفالنا، أن يتحدثوا بما يشعرون به، وأن يعبروا عن أنفسهم دون تنميق وتزييف، حتى تنمو ذواتهم الحقيقية. ألا قاتل الله الزيف.. كن كابن آدم.