زينة الحياة الدنيا، متاعها ولذاتها، حواسنا الخمس، المال والبنون، بذخ الآخرين ورفاهية عيشهم، وطول التمني لما بين يدي الآخر عن الآخر، موروثٌ من الحسد على الكتف، نظراتٌ سراً تسترق النظر، تمد بعينيها لصحنٍ امتلأ نعيماً وبيوتاً من الخيرات مديدة، خمس حواس حبانا بها الله، إلا أننا نصر على تمكين حاسة النظر حول كل شيء!
لربما كانت من عواقب حماسنا الشديد لنسابق عجلة المستقبل ونتطور، نتطورُ وننفتحُ على العالم، نقترب، ولكننا نبتعد، لربما كانت عواقب هذا الانفتاح وجماهيرية وسلطة شبكات التواصل الاجتماعي أن جعلتنا نساوم على أفضليتنا وسباقنا بحيوات الآخرين، نفتحُ عينينا على وسعها حسرةً وحسداً، لتطول بنا التساؤلات.. تنحرُ الحياة أمام ناظرينا: ولم فلان؟، ماذا ينقصني؟، يا ليت لي؟ والكثير الكثير من تساؤلاتٍ عصفت بأذهاننا، نسخط بعدم القبول، نجيد رفاهية الطمع ونقول: هل من مزيد؟
يقول جل جلاله في كتابه العزيز ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ [سورة طه: 131]، الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه أبسط وأدق أمورنا العميقة النفسية، فيذكرنا سبحانه في كتابه ألا تحزن يا عبدي وكف عينيك عمّا رزقنا به من خيراتنا لعبادنا، وأن يا عبدي (رزقك خير وأبقى)، ما رزقتك به هو كفايتك وخيرك في الحياة، لا تهجروا نعمكم وتمدوا بعينيكم على أرزاق خلق الله، فالمقارنة مأساة العصر ستفسد عليك حياتك، فلا تعش طامعاً بلقمة فلان وتزدري ما تملك من خير كثير.
نحن لا ندرك قيمة ما نملك ولا ترضينا أرزاقنا لأننا نمارس لعبة المقارنة بحياة الآخرين بجدارة فتضيق علينا الحياة، تتملكنا الحسرة بسهولة فنغمض أعيننا عن خيرات الله لنا وننسى كم لذةٍ تطوف حولنا يتمناها غيرنا، كم شر أميط عن طريقنا وكم خير سيق إلينا، نملك سقفاً يداري عُرينا، وأسرةً نلتفُ بدفئها نهاية اليوم، نملك قوت يومنا، آمنين مطمئنين، نملك حقوقنا الإنسانية على هذه الأرض، يضحك ثغرنا مشبعين، نلمسُ أطراف الأوراق ونخط بأقلامنا نتعلم، نملك حقنا برفاهية العيش، نسمع ونرى نجادل ونتحاور.
فلمَ ينقصنا الكثير وهو بين يدينا، لم نضيّقُ على أنفسنا الحياة وهي واسعة، لمَ نسمح لشبكات التواصل الاجتماعي بأن تحفزنا على هتك حقنا بالعيش راضين ومكتفين وقنوعين؟
أنت نسيج نفسك، ما تزرعه في عقلك من صنع يديك، فانظرْ حولك ترَ نعيماً تحسد عليه، انظر واستشعر لتتشرب معاني الحياة، لا تنس أن تعيش، وتظلم نفسك بالنظر إلى حياة الآخرين، اصنع لعالمك جمالاً تراه في حياة الآخرين، وكن على يقين مدركاً بأنك تملك الكثير وبعينيك لا تضيق عليك الحياة، بل اجعلها تُريك عجائب ما رزقك به الله لتنعم وترضى.