من واجب الأسرة والمجتمع تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة أن نساعدهم على اجتياز إعاقتهم.
وأن نشعرهم بتوافر لغة التفاهم والحوار، وأن نجعلهم يشاركوننا فرصة وبهجة المناسبات الدينية وتفعيل الواجبات في صورة مادية ملموسة؛ فلا يشعر الطفل أنه مختلف أو غريب بين الناس؛ وهنا يقع الدور الأكبر على أفراد الأسرة لبث الثقة فيه، وتأكيد مشاركته للآخرين، وتنشئته في بيئة سليمة طبيعية حتى يكون قادرا على تحدي إعاقته. مركز تأهيل المعاقين في الفجيرة وضع برنامجاً رمضانياً متكاملاً للطلبة خلال الشهر الكريم. المديرة عائشة عبدالعزيز النجار وفريق العمل في المركز خاصة الأخصائية الاجتماعية جميلة يوسف الملا والأخصائية النفسية موزة أحمد تحدثن عن أهم الخدمات التي يقدمها المركز خاصة في شهر رمضان بما يعزز الجانب الديني لدى هذه الشريحة المهمة في المجتمع.
الأخصائية الاجتماعية جميلة يوسف الملا أوضحت أن مسألة الصيام بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة تشير إلى أن الطلبة ينقسمون إلى نوعين، الأول من يفرض عليهم الصيام مع عموم المسلمين ولا تحول إعاقتهم دون تكليفهم بفريضة الصيام، وهم ذوو الإعاقات الجسدية أو البصرية أو السمعية، فهم أشخاص أسوياء خاصة من الناحية العقلية. أما النوع الثاني والذي سيدور الحديث عنهم فهم من ذوي الإعاقات الذهنية ولقد رفع الله عنهم الحرج في أداء العبادات فلا إثم عليهم في أدائها أو تركها، وتشيد جميلة برغبة ذوي الإعاقة الذهنية بالصوم وقدرتهم على الصبر طول ساعات النهار في سبيل المشاركة الدينية مع أفراد أسرهم على اعتبار أنهم من الكبار ولا يصح التقليل من قدراتهم.
وتخبرنا الأخصائية جميلة الملا عن تفاعل المركز مع رغبات الطلاب وأسرهم نحو الصيام، لكنها قالت: يأتي دورنا في تعليم الطلبة المهارات الدينية مثل الصلاة والوضوء وقراءة القرآن وغيرها حسب قدرة الطالب. ويكون ذلك في المراحل الأولى من حياتهم لأنها من العادات التي تعود الطالب على مشاهدتها بين أفراد أسرهم بشكل يومي، فنلاحظ ميل الطلاب الشديد لتعلم وممارسة العبادات ومع مرور الوقت ننجح في تأهيلهم لأدائها بالصورة الصحيحة.
وتضيف قائلة: ولله الحمد هناك مجموعة من الشباب في المركز حريصة على أداء الصلوات الخمس وبشكل يومي حتى أن الطالب عبد الله على عبد الله من المداومين على الصلاة في المسجد وهذا ثمرة إرادة شخصية مقبلة على العبادة.
كما أنه من الطلبة الملتزمين بصوم شهر رمضان كاملاً، ويقوم في بعض الأحيان بإمامة الطلبة في صلاة الظهر في المركز.
وتشيد الأخصائية جميلة ومدرسة تأهيل الذكور أن عبد الله يعتبر قدوة حسنة للطلاب وقد وصل إلى مرحلة متقدمة من التأهيل، وتنوه قائلة: رغم إننا لا نضغط على الطلبة في أمر الصيام للصعوبة وعدم إدراك البعض لأهميته، إلا أننا لاحظنا منذ حوالي السنتين الرغبة الشديدة لدى البعض بصوم رمضان حتى لو لم يصوم الشهر بأكمله، وهذه بادرة طبية منهم شخصيا ومن أسرهم.
وعند صلاة الظهر التي أقامها طلاب المركز تقدم عبد الله علي عبد الله ومحمد سالم سليمان وسالم حميد بعد الانتهاء من الصلاة، لتسميع بعض السور والأحاديث النبوية بالإضافة إلى الأدعية التي تقال وقت الفطور وغيرها. ويجسد المشهد تعلق الطلبة بالله سبحانه تعالى. فما بال من رزقه الله العقل ويجاهر بالإفطار وهناك من يعتبر نفسه صغيرا على أداء العبادات فالحمد لله من جعل الخير فيمن يستحق الخير.
برنامج متكامل
وتذكر جميلة أن المركز يقوم سنويا بتنظيم برنامج متكامل للطلبة خلال شهر رمضان لتفعيل دورهم وتعريفهم بالمناسبات الدينية والاجتماعية والمشاركة فيها، فبدأنا هذا العام بيوم مفتوح قبل رمضان لاستقبال الشهر الكريم وبث روح الاستعداد للعمل الخيري عند الطلبة خلال رمضان. كما أدرجنا جدولا للرحلات تنوعت ما بين الترفيهية والدينية طوال شهر رمضان لتنشيط الطلاب وتحفيزهم على الصيام أو على عمل الخير رغم أن الله رفع عنهم الحرج في ذلك.
بالإضافة إلى أن المركز يشارك وبشكل دوري في مسابقات تحفيظ القرآن والأحاديث الشريفة التي يتميز فيها مجموعة لا بأس بها من الطلبة كل سنة، وهذا العام تأهل عبد الله علي ومحمد سالم سليمان وفاطمة علي النون وفاطمة الكعبي للمشاركة. كما أطلق المركز خلال رمضان مشروع الحصالة الذي يحفز الطلبة على التبرع للمحتاجين سواء كانوا من داخل المركز أو خارجه.
ومن ضمن فعاليات الشهر الكريم الذي يهتم بها المركز سنويا مشروع كسوة العيد وغيرها من المشاريع الخيرية التي تشرك الطالب في عمل الخير وتعرفه بعظمة الدين الإسلامي وفي المقابل تساعد فئات أخرى.
الأخصائية النفسية في المركز موزة أحمد تقول إن المشاركات الاجتماعية والدينية لها أفضل الأثر في نفوس ذوي الاحتياجات الخاصة.
رغم نظرة البعض إلى عدم جدوى مشاركتهم في أداء العبادات الدينية على اعتبار انهم أشخاص غير أسوياء، إلا أن سر نجاحهم وانخراطهم في الحياة وتحقيق إنجازات متميزة في المجالات المختلفة يعود إلى أسرهم، التي وفرت لهم الظروف النفسية والاجتماعية التي تؤهلهم وتدفع بهم إلى المزيد من التشجيع والعمل والعطاء، ولهذه المشاركة أثر طيب في نفوس ذوي الاحتياجات الخاصة، فهم يشعرون من خلال مشاركتهم في المناسبات الاجتماعية والدينية أنهم لا يختلفون عن أقرانهم الآخرين، فهم يصومون ويصلون، بل وقد يؤدون مناسك الحج والعمرة أيضا.
كما أن المشاركة تشعرهم بالقرب من الله؛ مما يعطيهم الثقة بالنفس، وأنهم أفراد مشاركون للآخرين، وهذا إحساس نفسي يبث البهجة فيهم ويشعرهم بالمسؤولية.
كما يساعدهم الصيام على تحسن صحتهم؛ لأن الطفل المعاق غالباً ما تكون عاداته الغذائية غير منضبطة؛ إذ يأكل للتسلية والصيام ينظم وجباته. وتضيف موزة أن من فوائد تعليم الصوم إدراك الطلبة وقت الصيام الذي يمتد من صلاة الفجر حتى المغرب بل نستغرب بعض الأحيان قدرتهم على تحمل فترة الصيام، والتزامهم بأداء العبادات دون شكوى أو تذمر.
وأهم الأمور التي يجب أن نراعيها هي أسلوب التدرج والصبر حتى يدرك الطالب قيمة العبادة التي يؤديها وحتى يقوم بها بصورة صحيحة.
قدرات خاصة
النظام العالمي يتجه نحو دمج المعاق في المجتمع
رغم إدراك الأغلبية بعدم فرض الصوم على ذوي الاحتياجات الخاصة إلا أن الأسر المسلمة بطبعها تحبذ تربية الأبناء على العبادات وحتى لو كان الأداء شكلياً أو بصورة غير صحيحة، ولكنهم يعتبرون ذلك بداية الطريق نحو تأهيل ديني صحيح للطالب ورغبة بعضهم في إشراك أبنائهم في الجو الرمضاني الذي تعيشه الأسرة خاصة إذا ما وصل الطالب مرحلة متقدمة من التأهيل تساعده على فهم وإدراك متطلبات العبادة، وحتى لا يهمش دوره في الأسرة.
فوالدة الطالب أحمد اليماحي، وأم وعد، ووالدة الطالب محمد سالم سليمان. من الأمهات النشيطات اللاتي يحرصن على أداء أبنائهم لفريضة الصوم، كما يحرصون على أدائهم صلاة التراويح في المسجد مع ذويهم حتى يشعروا بقيمة العبادة ومردودها النفسي على الشخص. وهن من الأمهات المشاركات دائما في أنشطة المركز.
النظام العالمي الجديد يتجه نحو دمج المعاق في المجتمع ومعاملته معاملةً طبيعيةً كالشخص السوي، وللأسف في وقت سابق كان الناس ينظرون إلى ضرورة عزل المعاق بعيداً عن الناس، غير أن هذه النظرة تغيَّرت تمامًا الآن، فنجدهم يشاركون أقرانهم في جميع المشاركات الاجتماعية، في الأندية والمدارس ووسائل المواصلات المختلفة، وهذا بالطبع له مردودٌ إيجابيٌّ عليهم من حيث شعورهم بالألفة مع من حولهم.
اصحاب الاعاقات الجسدية مكلفون بالصيام
حول الحكم الشرعي في صيام ذوي الاحتياجات الخاصة يقول الشيخ حسن علي أبو العينين الواعظ الديني في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الفجيرة: إن حالات الإعاقة الجسدية بمختلف أنواعها، سواءٌ بصرية أو سمعية أو حركية، يجب عليها الصيام؛ وذلك لأنهم مدركون لما يدور حولهم، ومدركون للوقت والزمن، بل إن من قدَر الله أن لديهم قدرةً على تحمُّل الصيام؛ لهذا فهم مكلَّفون شرعاً.
أما فيما يتعلق بالنسبة للإعاقات العقلية، سواءٌ كانت شديدةً أو متوسطةً أو بسيطةً، فلا تكليف ولا غبار عليهم لعدم الإدراك، ولكن إن استطاع الشخص المعاق أن يصوم- كما نرى الكثير من أبنائنا والحمد لله من خلال عمليات التدريب التي تتم على يد الأهل أو المتخصصين وبإشراف طبيب- فهذا لا غبار عليه وله الأجر الكبير عند الله تعالى، فالصوم خيرٌ للجميع؛ قال تعالى: (وَأَنْ تَصُوْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ) صدق الله العظيم. ويصح مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الصيام بشرط أن لا يفرض عليهم مراعاة لظروفهم وقدراتهم. كما لا يصح تعيير من لم يستطع الصيام وذلك لابتلاء أنزله الله به ورخص له عدم المشاركة فيه.
ابتسام الشاعر