استمدت الثقافة الإماراتية جمالياتها من خصوصيتها، وتنوع روافدها التاريخية وتضاريسها الجغرافية الزاخرة بخبرات أهل السواحل والصحراء والجبال من سكانها، واللهجة المحلية تصب جمالياتها في الثقافة وتثريها، ويبقى المثال الشعبي خزانةً تحتضن تنوع اللهجة وثراءها المتمثل في العبارة والمعنى.

قراءة في الأمثال الشعبية الإماراتية تكشف حضوراً قوياً للبيئة بمختلف أشكالها، الساحلية والصحراوية والجبلية وأدواتها وكائناتها الحية، تختزل تلك الأمثال خبرات الناس وتستعرض دروس الحياة في جمل قصيرة مكثفة المعنى وقوية المبنى، ويبقى حضور الثقافة الإسلامية قوياً ساطعاً في الأمثال التي تحث على الطاعات والاستقامة، ويحظى الشعر بنصيب وافر من الأمثال والحكم التي تجري على الألسن لبلاغتها القوية والمكانة التي يحظى بها الشعر في الثقافة الإماراتية.

أهل السواحل يغازلون عبر أمثالهم البحر ومكنوناته، وأدوات كانت سبباً في نشوء تلك العلاقة الحميمة مع البحر، وأول ما يُشير إلى تلك الخصوصية المثل القائل «وش لك بالبحر وأهواله وأرزاق الله على السيف» والذي يدعو إلى القناعة بما قسم الله وتجنب المخاطرة بالزرق والطمع، إلى جانب الحكمة التي يُلخصها المثل الساحلي في بيت من الشعر:

للبحر له ناس لفيحه .. يعرفون التوح من اليره

موب كل من تاح سريحه .. قال هذا خيط وبيّره اللفيحه هم المُختصون الذين يدركون وقت رمي الخيط وسحبه، وليس كل من رمى خيطه أصبح صياداً، ويؤكد المثل أن لكل مهنة أناسها المهرة والمحترفون، ويدعو إلى ضرورة الإلمام بأساسيات المهنة وأصولها الدقيقة، حتى يدعي الخبرة والمهارة.

ثبات الجبال

أما بيئة الجبال ومهن أهلها يُلخصها القول « لو كل من يا ونير ما تم في الوادي شجر» والذي يدعو محتواه إلى التزام كل فرد بمهنته وعدم التعدي على مهن الآخرين واختصاصاتهم، والمثل مستمد من البيئة الجبلية وأبرز مكوناتها الشجر والوادي ومهنة النجارة.

ويُقدس المثل الشعبي البحث عن العمل والحث على الاجتهاد والإخلاص في أداء الواجبات، والمثل يقول «اللي يبا الصلاة ما تفوته » حيث يُشبه الرغبة في إنجاز عمله بالصلاة الواجبة والمفروضة، ومن يبحث عن الخير سيجده مهما كانت الظروف وكذلك الحال لمن أراد أداء الصلاة فعليه الالتزام بالوقت دون البحث عن أعذار، وذلك من صميم الثقافة الإسلامية التي تدعو لأداء الصلاة في وقتها، فإن وجد ماءاً توضأ وإن لم يجد ماءاً تيمم، وإن وجد مسجداً صلى، وإن لم يجد مسجداً صلى على الأرض التي جعلت طهوراً ومسجداً.

وفي مثل آخر تتجلى القيم الإسلامية المرتبطة بأداء الفرائض في وقتها، والذي يقول «لا تصيح على بوك لي مات، وصيح على عصر الجمعة لي فات»، أي لا تبكي أعز الناس وأقربهم بل تحسّر على صلاة عصر الجمعة التي فاتتك، في هذا المثل دعوة إلى الاهتمام بصلاة العصر والقول فيه تعظيم لأجر صلاة العصر وأمر الله سبحانه وتعالى لنا بالمحافظة عليها حيث قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين).

ثقافة دينية

وهناك من الأمثال المتصلة بالثقافة الدينية والتي شاع استخدامها في أكثر من لهجة، وأحدها القائل « الضرب في الميت حرام » ويؤكد أنه لا فائدة من ضرب وإهانة من أصيب بموت الإحساس والشعور.

وفضل صلاة عصر الجمعة متصل بفضل يوم الجمعة، وهذا ما يُشير إليه المثل القائل «حاسدين الفقير على موتة الجمعة» وغير ذلك فهو يُبين خطورة الحسد ويدعو إلى تجنبه، ولا سيما الفقراء، الذين لا يملكون من متاع الدنيا سوى القليل وإن كان ذلك القليل هو ميتة يوم الجمعة، اعتقاداً بالأجر العظيم لهذا اليوم.

وللبيئة الصحراوية نصيب وافر من الأمثال، التي تجلت فيها النخلة والصقر والفرس، والمثل البدوي القائل «اللي ما يعرف الصقر يشويه»، أي من لا يعرف قيمة الأشخاص أو الأشياء يُسيء استخدامها ومعاملتها، وذلك كان مبداً أساسياً في التعامل، قائم على احترام قيمة الأشخاص ومعرفة قدرهم.

ومن يُعطي قيمةً لشيء بال أو غير ذا قيمة هو محل انتقاد في المثل الشعبي، فيُقال «سوا للحشف مجاييل»، والحشف الخلال التالف أو ثمرة النخيل البالية والفارغة، والتي لا فائدة تُرجى منها، والمجاييل مفرد الجيلة أو الكيلة وهي مقياس الوزن الذي يغرفون به ما يتم بيعه من مواد غذائية وحبوب، ويلخص المثال حال من يُعطي قدراً واحتراماً في غير أهله.

الحياة الاجتماعية

تُلخص بعض الأمثال الشعبية مبادئ الحياة الاجتماعية المحلية، وتدعو للفضيلة المستمدة من علاقة حميمة بين أفراد المجتمع، ومن تلك الدعوات التنفير من الوشاية والنميمة عبر المثل القائل «عدوك موب من قال فيك ، عدوك من بلغك »، لصرف الناس عن نقل الكلام أو الاستماع إلى النمامين وأصحاب الوشاية، وتظهر علاقة المجتمع الواحد عبر المثل «حلاة الثوب رقعته منه وفيه » ومعناه أن التمسك بأصول الشيء يزيده جمالاً، وتفصيلاً يُفضل للإنسان أن يجتمع مع من هو من أصله سواء كان ذلك في زواج أو عمل أو غيره،

وتدعو بساطة الحياة إلى المزيد من القناعة والحكمة، عبر المثل القائل «عندك تاكل قال لأ ، عندك تغرم قال هيه»، للدلالة على من لا يملك شيئاً ويبحث عما يُسرف أمواله فيه.

كما تفصل الأمثال المحلية في استعراض دروس تربوية مختلفة، ويقول المثل «من كبّر اللقمة .. غص» أي من حاول أخذ أكثر من حقه كان جزاؤه مريراً، وقد لا يجد ما يُحمد عقباه، ودعوة أخرى للترفع وتقدير الذات واحترام الآخرين يرسلها المثل «من جاء بدون عزيمة قعد بدون فراش»، ويشبه المثل العربي «من تدخل فيما لا يعنيه .. لقي ما لا يرضيه».

وتتجلى روح الفكاهة في المثل الشعبي، والذي ينبذ سلوكيات غير محببة، كالفضول والطمع والسخرية من واقع مر، ويُقال تموت الدياية وعينها في السبوس، للدلالة على الطمع، فالدجاجة التي تأكل حبوب القمح والأرز تطمع في طعام المواشي، والسبوس هو العلف.

ويدعو المثل الشعبي إلى عدم الاستهانة بمن صغر حجمه أو بدا ذلك، «سمسوم يسحب قرص»، يدعو إلى قدرة النملة الصغيرة لتحمل سحب ثقل القرص وهو الرغيف، فهنا دعوة صريحة لتقدير طاقات الناس مهما بدا لنا العكس.

ويُقال «الأعور على العميان باشا» فصاحب الخطأ الصغير يرى نفسه أفضل من أصحاب الأخطاء الكبيرة ومن يُبصر بعين واحدة يُصنف بأنه أفضل من العُميان فيُبيح لنفسه ما لا يجوز لهم.

ولمن لا ينفق ماله جزاءً البخلاء، فكما يقول المثل «مال البخيل ياكله العيار»، أي من تهاون عن الإنفاق سلط الله عليه المحتالين ليتمتعوا بماله، وفي ذلك حث على الإنفاق وتجنب البخل. ويدعو الأجداد لمشاورة أولي الأمر فيقولون اللي ما يطيع يضيع»، والبعد عن المخاطر حتى وإن كلف ذلك سفراً وجهداً، فيقولون «سير بعيد وتعال سالم»

وتبقى النهاية مع جماليات اللهجة كما البداية، «فالزين و لو قايم من النوم و الشين و لو كحل عيونه»، أي لا يُمكن إخفاء جمال الشيء مادام واضحاً وطبيعياً، مع استحالة تجميل الوجه القبيح للأشياء حتى وإن كحلوها.

أمل الفلاسي