إنها الصورة التي تزين غرف الطلاب في مختلف أنحاء العالم. صورة بورتريه بالأبيض والأسود لأرنستو «تشي» جيفارا، تلتقط نظرته الحادة وملامح الوقار التي تشيع على محيّاه، ساعدت على ترسيخ أسطورة جيفارا التي يتغنى بها العالم حتى يومنا هذا.
لكن الآن بعد مرور 50 عاماً بالضبط على التقاط المصور الكوبي ألبيرتو دياز «كوردا» جوتيريز تلك الصورة للثائر الماركسي الشهير، أصبحت الصورة نفسها موضوع معارك قضائية محتدمة.
فمنذ وفاة كوردا في 2001، عمدت ابنته ديانا دياز إلى ملاحقة الشركات، التي تتهمها بانتهاك حقوق نشر تلك الصورة الشهيرة باستخدامها في حملات الدعاية والإعلان.
وكان والدها قد استخدم تكتيكات مشابهة، عندما قاضى الشركة المنتجة لفودكا سميرنوف لاستخدامها غير المشروع للصورة في عام 2001، وتمكن في تلك القضية من إعادة تثبيت حقوق نشر الصورة بعد 41 عاماً على التقاطها.
لكن المعارك القضائية التي تخوضها دياز لا تخلو من الجدل، أو السخرية. فعلى مدى عقود طويلة، لم تكن كوبا التي اختارها الثائر الأرجنتيني موطنا له، تعترف بحقوق النشر. ولم تنضم إلى منظمة التجارة العالمية ومنظمات حقوق النشر القانونية، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وتقول دياز، التي تعيش الآن في كوبا، انها لكي تمول معاركها القانونية اضطرت لبيع تراخيص لمجموعة كبيرة من منتجات «تشي»، بما في ذلك قبعات البيسبول والقمصان وقبعات البيريه طبعاً. حتى إن استخدامها التجاري لماركة تشي أدى، بحسب بعض التقارير، إلى نزاعات مع أخوة لها في المنفى.
وقد لعب الحظ دوراً لا يقل عن الدور الذي لعبته مهارة التصوير في شهرة الصورة، التي التقطتها عدسة كوردا في الرابع من مارس، 1960 خلال مسيرة سياسية حاشدة حضرها جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار.
وقال كوردا، الذي كان يعمل مع صحيفة «ريفوليوسيون» في حينه: «لم تكن صورة مخططاً لها، بل جاءت عفوية ووليدة اللحظة.» وقد ذكر كوردا في إحدى المقابلات الصحافية أن جيفارا ارسل في حينه نظرة حادة جداً لدرجة أصابته بالارتباك، حتى انه لم يستطع سوى التقاط صورة واحدة عمودية وأخرى أفقية.
وفي تلك المسيرة نفسها، أطلق الزعيم الكوبي فيدل كاسترو شعاره الشهير «الوطن أو الموت» أمام آلاف الناس. لكن صورة جيفارا لم تظهر في عدد اليوم التالي من الصحيفة، ولم تبرز للعلن إلا بعد موت جيفارا في بوليفيا بعد 7 سنوات. وأقر كوردا بأنه قص الصورة الأصلية لإبراز نظرة جيفارا المميزة.
وفي العقود التي تلت، أصبحت الصورة أنموذجاً لآلاف الصور الأخرى، التي استنسخت على نطاق واسع من قبل المخططين الاستراتيجيين السياسيين لتلميع صورة مرشحهم. وقيل إن الملصق الدعائي الذي حمل شعار حملة أوباما «الأمل» خلال حملته الرئاسية تأثر إلى حد كبير بصورة كوردا.
وحقيقة ان الصورة بقيت لسنوات طويلة بدون حقوق نشر أدت إلى استخدامها من قبل كل من هبّ ودبّ، وهو ما ساعد على انتشارها في شتى بقاع العالم. ولا يزال الاهتمام بأعمال كوردا كبيراً وأسعار صوره الشهيرة آخذة بالازدياد في المزادات. فلقد بيعت صورة لجيفارا وهو يصطاد السمك أخيرا بأكثر من 6600 جنيه إسترليني في بريطانيا هذا الشهر.
ومن بين الصور الأخرى التي بيعت في المزاد صورة لكاسترو وهو يلعب الجولف خلال لقاء مع ارنست همنغواي. ويقول مايكل كاسي، مؤلف كتاب «حياة بعد الموت: ميراث صورة جيفارا» إن المفارقة التي تثير السخرية هي أن صورة هذا الرمز الماركسي تستخدم الآن كسلاح تسويق.
لكن هذه الحقيقية تتناغم تماماً مع واقع ما بعد الحرب الباردة، حيث اظهر المثالي الكوبي ان الثورة ماركة وليست هدفاً بحد ذاته.»لكن كوردا برر قضايا حقوق النشر التي رفعها بأنها طريقته الخاصة لحماية المبادئ الاشتراكية لكوبا.
علي محمد