كلما نظرت إلى شق الباب شعرت بالرعب. شق الباب الخط المرهف الرقيق، الذي يسرب الضوء أول الفجر وأصوات الألفة في المساء. الخط الناعم الذي يفصلك عن الآخر، ويصلك به، يسرب إليك أوراق الوعيد الأنيقة الممهورة بتوقيع مالك البناية، وفواتير الماء والكهرباء والإنذارات الأخيرة. خط ناعم مرهف رقيق، بوابة للجحيم، وأرق للجيوب الفارغة المقلوبة على الرجاء. تنكمش في مقعدك، وترتعش أصابعك، ما أن تصرّ ورقة أو تنزلق فاتورة لا تعلم إلى أي شهر تنتمي، أو لأي مطالب ضاق به الحال.

وأنت تقلب دفتر حساباتك الخاسرة، مستعيناً بعبارات الحكمة الخرقاء، ببصر مشدود إلى أرقام لا تؤمن بشرعيتها، وسطور لا تخفي فصاحتها، وسداد لا مهرب منه. ومن جديد تتملى هذا الشق محاولاً البحث عن مخرج، لا يفضي إلى قرض جديد، أو فرصة عمل جديدة، تعيدك إلى أول الوهم، وآخر الحلم، ولجة الحاجة.

خط ناعم مرهف رقيق، يضعك دائماً على حافة الآخر وهو يرفع سبابته وعقيرته محيلاً طمأنينتك المؤقتة، إلى دوامة من الحلول المؤقتة، ممزوجة مع رذاذ من ضوء شاعري أو عطر جارة أدمنت رائحتها كل مساء. خط ناعم كنصل حاد، على مسافة لصيقة بك، تشهره أيادٍ غامضة، وأشباح تتجول في الغرف الضيقة والأسرة الضيقة والشرفات المغلقة. خط واضح بلا مواربة، يسرب آمالك وأحلامك، ويستبدل هواءك بالغازات الخانقة والروائح الخانقة. لا سبيل إلى إغلاقه، ولا حيلة تقصي بها عيون الآخر عن خلوتك.

تجر الباب، تتأبط خيبتك، تنتظر المصعد بأعصاب تالفة وذهن مشتت، وكالعادة لا تذكر أين ركنت سيارتك، تلتفت يمنة ويسرى، ولا ترى إلا ظلاً منكسراً على الأرض، وجسداً خائراً، تمسح عرقك، تعدل نظارتك، تهرب من صبي البقال وبواب البناية، وصورتك المرتعشة على المرآة اليمنى. دورة دورتان في الجيب شيروكي الحمراء التي تركها لك شعيب بعد أن ابتلعه شق بابه الخاص.

دورة دورتان تنظر إلى مؤشر الوقود، ينقبض صدرك، تلهث، يصر محرك السيارة صريراً عالياً وأنت تفتش دون جدوى عن مكان تركن فيه، تضطر إلى الوقوف بمكان مخالف، تنتظر من جديد على المصعد، تفتح الباب، تجلس على أحد كراسي إيكيا المستعملة، تلتفت يمنة ويسرى، ولا ترى إلا جسداً منكسراً على الأرض، وشبحاً يحدق إليك من شق الباب.