ثمة أشخاص عديدون لديهم آذان سليمة، لكنهم رغم ذلك لا يسمعون بشكل جيد. وهذا يدل على أن أدمغتهم بدأت تدب فيها الشيخوخة. ويحدث فقدان السمع ليس فقط بسبب خلل في الأذن، بل أيضاً بسبب مشاكل في الدماغ مرتبطة بتقدم السن.

يرى الباحثون بوضوح أكثر كيف ينقل الدماغ المعلومات كلما تقدمنا في السن. على الرغم من أن الشخص الهرم يكون متمتعاً بآذان بحالة جيدة، إلا أنه يواجه اضطراباً في السمع بسبب الشيخوخة.

وبالإضافة إلى عامل العمر الذي يحد من قدرة السمع تضع الفرق الطبية يدها على أدلة أكبر بخصوص مشاكل تغذية في الدماغ من شأنها تدمير القدرة على السمع. في اللقاء السنوي لجمعية الباحثين في طب الأنف والأذن والحنجرة المنعقد في نيو أورليانز في فبراير 2005، ناقش الأطباء آخر النتائج حول سعيهم لمعرفة دور الجينات في قدرة الدماغ على معالجة المعلومات المرسلة من الأذن، حسب تقدم العمر.

وكانت درجت العادة أن يركز الأطباء اهتمامهم في بداية معاينتهم للمريض، على فحص الأذن. لكننا أكثر فأكثر، نجد مرضى يعانون من اضطرابات في السمع مع أن آذنهم لا تزال سليمة. يوجد أشخاص بآذان داخلية سليمة ولا يسمعون جيداً. وهذا لأن دماغهم صار طاعناً في السن.

يلعب الدماغ عادة دوراً رئيساً في استخلاص المعلومات التي تجمعها الحواس كل يوم مثل الألوان والأشكال التي تطالعنا، وأصناف الأشياء التي نتلمسها ونتحسسها والأصوات التي نتلقاها. وقد توصلت الدراسات إلى استنتاج أن قصور نظام التغذية في الدماغ يعرض الأذن إلى عوامل التلف.

إن قدرة الدماغ على اختيار المعلومات الواردة إلى الأذن وإهمال تلك التي لا ضرورة لها تبدأ بالتراجع بعد سن الأربعين أو الخمسين. دون ملكة تصفية المعلومات وانتقائها، يغرق الشخص في كمية المعلومات المتدفقة ويصبح غير قادر على تنظيمها. وتهافت المعلومات التي لا تجد طريقها نحو التنظيم والترتيب والاختيار تؤذي قدرة الشخص على السماع بشكل جيد.

وأكثر ما يشكو منه كبار السن هو صعوبة سماع الأحاديث بسبب وجود طنين في الأذن (أو ضجيج خلفي). فقد يحدث أن يسمع البعض جيداً لدى وجودهم في محيط هادئ كالمنزل. وتتغير الأمور ويصبحون في دوامة ضجيج حين يتواجدون في مطعم أو حفلة.

ويقر أطباء الأعصاب باحتمال أن يكون القصور في نظام تغذية الدماغ ناجماً عن نقص في الكالسيوم في جذع الدماغ. وفي حين عرفت عشرات الجينات التي تساهم في إحداث الصمم الولادي، إلا أن أياً من الجينات المسؤولة عن فقدان السمع بسبب التقدم في العمر لم تكشف بعد. أحدث البحوث الواعدة تميل إلى الاعتقاد بأن بعض الجينات تؤثر سلباً على عمل بعض الكيميائيات في الدماغ مثل glutamate hgaba، وهي مرسلات عصبية تمكن الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ والأذن من الاتصال ببعضها.

وظيفة الأذن تحويل الطاقة الصوتية إلى إشارات كهربائية وإرسالها إلى الدماغ لقراءتها.

الأذن تشبه في عملها أعضاء أخرى محولة للطاقة مثل العين، فكما أن العين تبدأ عملها من حين دخول الضوء إليها وتتلخص وظيفتها بتحويل طاقة الضوء إلى إشارات كهربائية تذهب إلى الدماغ مباشرة لفك شفرتها. كذلك الأذن تتلقى الأصوات الآتية من الخارج وترسلها إلى الدماغ.

وهناك آلية لتولد الأصوات داخل الأذن. الهواء ينقل الأصوات إلى قناعة الأذن (ومعروف أن الصوت يستحال أن ينقل في مكان مفرغ من الهواء)، وارتجاجه في قناة الأذن يحدث اهتزازاً في طبلة الأذن التي بدورها تنقل ذبذبات الهواء إلى العظيمات الثلاث، ما يؤدي إلى تحرك سائل القوقعة الذي يبدأ بتحميل الخلايا العصبية الإشارات التي تذهب تالياً عبر الأعصاب إلى الدماغ. فالأصوات إذا تصل إلى الأذن الداخلية (القوقعة) عبر مجرى السمع الخارجي ثم الطبلة (وهي غشاء مكون من أنسجة عضلية وجلدية) ثم سلسلة العظيمات (المطرقة - السندان - الركاب) والدور الأساسي لهذه الأذن الداخلية هو تحويل طاقة الاهتزازات الصوتية إلى طاقة كهربائية بما يشار إليه بتحول ميكانيكي كهربائي.

هذا الترميز يتحقق بواسطة خلايا معينة تسمى «هدبية» تكون موصولة بالنهايات العصبية للعصب السمعي. هذه الرسالة الكهربائية تنتقل لاحقاً إلى الجذع الدماغي، ثم إلى الدماغ على مستوى المجالات السمعية والخلايا المهدبة مختلفة فيما بينها وموزعة حسب تردد الأصوات (أصوات إما رفيعة وإما غليظة)، التي تشفرها تماماً مثل مفاتيح آلة البيانو.

ترميز هذه الأصوات الرفيعة يؤمنه القسم السفلي القاعدي للقوقعة، والأصوات العريضة يؤمنها القسم العلوي. وينبغي معرفة أن الصوت لا ينقل مباشرة من خلال المستقبلات العصبية، بل هو يخضع لعملية التحويل لكي يصل مثلما هو عليه الحال ويتم ذلك عبر ثلاث مراحل:

في المرحلة الأولى: الأذن الخارجية بجزأيها صوان الأذن والقناة السمعية تعمل على تضخيم الموجات الصوتية ونقلها إلى الطبلة.

في المرحلة الثانية: الأذن الوسطى تدفع الصوت باتجاه القوقعة. وهناك ثلاث طرق تضخم بها الأذن الداخلية الصوت أثناء نقله من الهواء إلى السائل الموجود في القوقعة التي تشبه بالشباك البيضاوى:

المبدأ الهيدروليكي: حيث يتضخم الصوت بسبب اشتداد ضغط ذبذباته على جدار الطبلة وإذا كانت الطبلة التي تقف على حدود ضيقة مع الأذن الداخلية المكونة من جدار عظمي ممتلئ بالهواء تشبه في شكلها وعملها صفحة آلة الطبلة، فإن الأذن الداخلية تشبه جسم الآلة.

مبدأ الرافعة: فشكل العظيمات هو بمثابة الرافعة حيث أن فيها ما يشبه الأذرع الطويلة وأخرى يشبه أذرعاً قصيرة.

الفتحة المستديرة في طرف القوقعة: في حين توجه الطبلة والأذن الداخلية الصوت نحو الجهة البيضاوية من القوقعة التي هي أنبوب مليء بالسائل تبقى الجهة الأخرى المستديرة محمية من جدار الأذن الداخلية حتى لا تتلقى الصوت في الوقت نفسه وتخسر مزيداً من الطاقة هباء.

في المرحلة الثالثة: القوقعة التي في الآذن الداخلية تحول طاقة الصوت إلى الدفاع العصبي، ثم إلى الدماغ في الفص الصدغي تحديداً حيث يكمن مركز السمع.

حاسة السمع كنظام دفاعي للكائنات

بعض الكائنات تعتمد على قوة الحواس لديها التي تشكل بالنسبة لها نظاماً دفاعياً تتقدم به على الإنسان يتيح لها القضاء على الأعداء والبحث على مصادر الغذاء وبالتالي تحقيق بقائها والتأقلم مع البيئة الجديدة التي تتوجد فيها. ففي حين يجد الإنسان صعوبة في التنقل ليلاً في الظلام يستطيع طائر البوم تحديد مكان فريسته مهما اشتد الظلم، وعلى مسافات بعيدة ويعود السر في ذلك إلى طوق الريش حول الرأس الذي يساعد مجرى الصوت داخل الأذن.

ولتحديد الاتجاه الذي يأتي منه الصوت يقوم دماغ البوم بقياس فرق الوقت الذي يستغرقه الصوت للوصول إلى كل أذن. وقد أثبت العلماء أن الدماغ يؤول المعلومات الآتية من الأذن بنفس قدرة المعلومات التي تتلقاها العين لدى الإنسان. حتى أن البوم قادر في نسبة أقل على تحديد حجم الفريسة في ظروف مشابهة. ومثلما هي حاسة السمع مفيدة لبعض الحيوانات كذلك حاسة الشم بالنسبة للبعض الآخر.

فبالنسبة لوحيد القرن مثلاً، فإنه بالإضافة إلى أن أذنيه لديهما القدرة على تحديد اتجاه الصوت، فإن المجاري الأنفية لديه أيضاً هي أكبر بكثير من حجم دماغه، وهي تساعده في نظامه الدفاعي وتلمسه لوجود الخطر. حاسة السمع تشترك مع حواس أخرى وترتبط بالعقل.

فالأصم لا يستطيع تعلم النطق لأن النطق وطريقته مرتبطان بالتعلم وكشرط أول بالسماع. والسمع فعل واع يرتكز على الاختيار العقلي والانتقاء. فأحياناً نكون مستغرقين في العمل وفي الوقت نفسه نستمع إلى الموسيقى. لكن رغم ذلك فالموسيقى لا تشتت انتباهنا لأننا نكون اخترنا عقلياً التركيز على العمل وعدم الاهتمام بالموسيقى حتى أننا نكاد لا نعود نسمعها على رغم وجودها.

والسمع مرتبط بطريقة أو بأخرى بالعقل، حتى يبدو وكأنه درجات وحتى على الصعيد اللغوي هناك فرق بين السمع والاستماع (listening and hearing). وهناك حالات يستعمل فيها كلمة السمع وكأنها تعني «الفهم» أليست اللغة هي تعبير عن المفاهيم المجردة والفكرية والعمليات الذهنية؟»

د. أمل شحادة جنيد

اختصاصية أنف وأذن وحنجرة