مع ظهور النازية في ألمانيا وتصاعد قوتها وفي عام 1938 على وجه التحديد قررت بيرتا بوسيه Berta Busse ترك مدينتها برلين والهجرة إلى لندن، وهناك أسست طريقة حديثة في العلاج الطبيعي ساعدت الآلاف من الأشخاص المصابين بالشلل الدماغي والمعاقين حركياً والمصابين باضطرابات الجهاز العصبي المركزي في تحسين قدراتهم وحركتهم ومنحت الكثير من المعاقين حركيا الأمل في التغلب على الصعوبات الحركية التي يعانون منها .

تعرف هذه الطريقة «بطريقة أو أسلوب بوباث». واللقب بوباث هو من زوجها طبيب الأعصاب كارل بوباث.

معلمة الرياضة

ولدت بوباث في برلين عام 1907 وفي الفترة الواقعة بين عامي 1924و 1926 التحقت بمدرسة Anna Herman لدراسة التربية الرياضية ونتيجة لتفوقها عملت في المدرسة نفسها كمدرسة للجمباز والرقص الإيقاعي حتى عام 1938. وفي هذه الفترة قامت السيدة بوباث بدراسة حركة الجسم أثناء الرقص وأثناء القيام بحركات الجمباز المعقدة وعملت على تحليل الحركة الطبيعية في الجسم وقامت كذلك بدراسة الاسترخاء في العضلات ووضع درجات معينة للاسترخاء .

في لندن بدأت في العمل كمدربة جمباز وكمدلكة في صالات الرياضة وفي عام 1941 التحقت للعمل في مستشفى الأمير لويس للأطفال وبدأت في نفس الوقت بدراسة العلاج الطبيعي .

مختصة في العلاج الطبيعي

في عام 1943 وأثناء معالجتها للرسام Simon Ewes والذي كان مصابا بالشلل النصفي الطولي التشنجي (تقلصي) Spastic hemiplegia بدأت السيدة بوباث بتطوير مفهوم علاجي جديد في معالجة الشد أو التقلص العضلي ليس فقط للمصابين كبار السن بل أيضا للأطفال المصابين بالشلل الدماغي .

كان هذا الرسام مصابا بنوع مؤلم من الشد العضلي وكانت تجد مقاومة شديدة عندما تحاول بسط ذراعه والتي تعود إلى وضعها السابق أي وضع الانثناء بعد تركها . لاحظت السيدة بوباث من خلال عملها مع هذا المريض أن كبح الشد أو التقلص العضلي ومقاومته يزيد الأمر سوءا حيث يزداد التقلص ولاحظت كذلك أن قيام المريض بثني الكوع يؤدي إلى انقباض اليد وأن بسط الكوع دون مقاومة يؤدي إلى فتح اليد بشكل تلقائي .

لاحظت كذلك أن معاكسة أنماط التقلص تخفض الشد العضلي وأن الشد حسب أنماط معينة تؤثر على كامل الجسم وتختلف هذه الأنماط اعتمادا على الوضع الموجود به المصاب أو وضع الرأس بالنسبة للجسم وبذلك فأن تغيير الوضع يؤدي إلى تغيير شدة ونمط الشد أو التقلص العضلي .

شلل الأطفال الدماغي والعلاج

ينمو الطفل المصاب بالشلل الدماغي وتتطور أنماطه الحركية بشكل مختلف أو متأخر مقارنة مع النمو والتطور الحركي عند الأطفال غير المصابين وقد يتوقف التطور الحركي عند مرحلة معينة في التطور لا يتجاوزها .

وكما هو معروف أن الدماغ هو الذي يتحكم بحركات الجسم وفي حالة إصابة أحد أجزاء الدماغ كما هو الحال عند المصابين بالشلل الدماغي فإن الدماغ يفقد السيطرة على حركة الجسم مما يؤدي إلى حدوث الاضطرابات الحركية التي نلاحظها عند المصابين ، وهذه الاضطرابات أو الصعوبات الحركية تختلف من طفل إلى آخر فهناك من الأطفال المصابين من يستطيع تحريك أطرافه السفلى بشكل أفضل ما يستطيع تحريك أطرافه العليا والعكس صحيح وهذا سوف يؤثر على نمط التطور الحركي لديه وفي بعض الأحيان لا يمر الطفل المصاب بجميع مراحل التطور الحركي الطبيعي .

وهذا ما يؤثر كثيرا على القدرات والمهارات الحركية فيما بعد ، فعلى سبيل المثال إذا لم يتمكن الطفل من الاستلقاء على بطنه أو رفع رأسه إلى أعلى أو الاتكاء على يديه فانه لم يتمكن من تعلم استخدام عضلات الرقبة والظهر والتي يحتاجها في الجلوس بشكل مستقيم أو الوقوف وهذا يؤثر كذلك على التحكم بالنفس .

وبالتالي على التحكم بالصوت والكلام . ونسوق مثالا آخر من أجل توضيح طريقة بوباث في العلاج الطبيعي وهو الطفل الذي يستخدم جهة واحدة من جسمه بشكل دائم عندها سوف ينمو جسمه مع وجود عدم تماثل بين نصفي الجسم وهذا بدوره سوف يؤثر على توازن الجسم والقدرة على التناسق البصري الحركي وقد يسبب تشوهات في منطقة الورك Hip dislocation .

ومن الأمثلة الأخرى الطفل الذي يعتمد على شد رجليه من أجل التمكن من الوقوف سوف يقف على أطراف أصابعه ومع مرور الوقت سوف يصبح الشد في الرجلين أكثر من السابق ويحدث تراجع في القدرات الحركية بدل تطورها . وهذا ما يؤخذ بعين الاعتبار في طريق بوباث في العلاج الطبيعي .

تقوم طريقة بوباث في العمل مع الأطفال المصابين بالشلل الدماغي على مجموعة من المفاهيم منها أن التوتر العضلي Muscle tone قابل للتغيير اعتمادا على مجموعة من الأنشطة والحركات وكاستجابة لطريقة حمل أو مسك الطفل المصاب والتعامل مع مشكلته الحركية بشكل صحيح .

المرحلة الأولى في تطوير المهارات الحركية الوظيفية عند الطفل المصاب بالشلل الدماغي التشنجي هي التخفيف من حدة الشد أو التقلص العضلي ، وعند المصاب بالشلل الدماغي التخبطي Athetosis هو تمكينه من بعض السيطرة أو التحكم بحركات جسمه والوضعية التي يأخذها الجسم بشكل عام . (هذا لا يعني أن طريقة بوباث تصلح فقط لهذين النوعين من الشلل الدماغي بل هي تصلح لجميع أنوع الشلل الدماغي) .

عملت بوباث مع الأطفال المصابين بالشلل الدماغي على تطوير الاستجابات التلقائية التي تمكنهم من التحكم بالرأس والجذع والدوران ، وهي مهارات حركية تظهر عند الأطفال في سن ستة شهور تمكنهم من مقاومة الجاذبية الأرضية أثناء محاولة النهوض أو الوقوف ،إلا أن الأطفال المصابين بالشلل الدماغي لا تظهر لديهم هذه الاستجابات نتيجة النمط الحركي غير الطبيعي السائد لديهم .

لاحظت السيدة بوباث أن بعض أجزاء الجسم عند المصابين يمكن التحكم بها من أجل كبح الأنماط الحركية غير الطبيعية ولتمكين الطفل من اكتساب التسلسل الطبيعي للتطور الحركي وأطلقت عليها مسمى «نقاط التحكم الرئيسية. اهتمت كذلك بتزويد الطفل المصاب بالخبرات الحركية الطبيعية من أجل إعطاء الطفل الإحساس أو الخبرة بالحركة الطبيعية.

واحدة من الأمور الأساسية التي تتبع في طريقة بوباث في العلاج الطبيعي هي تدريب والدي الطفل المصاب بالشلل الدماغي على كيفية مراقبة الطفل ومساعدته على تكوين أنماط حركية طبيعية وعلى كيفية جعل التقنيات المطبقة في جلسة العلاج ضمن النشاط الروتيني للطفل.

انتشرت طريقة بوباث على نطاق واسع في كافة أرجاء العالم وأصبح من النادر جدا أن تجد مختص بالعلاج الطبيعي لا يطبق المفاهيم والمبادئ الأساسية في هذه الطريقة عند العمل مع الأطفال المصابين بالشلل الدماغي أو البالغين المصابين بإعاقات وصعوبات حركية مختلفة . وأصبحت معظم الجامعات والمعاهد العلمية تدرس طريقة بوباث في العلاج الطبيعي .

تعرف طريقة بوباث في كثير من الأوساط العلمية بمسمى «العلاج العصبي التطوري neurodevelopmental treatment، ويطلق عليها البعض مسمى «العلاج بطريقة بوباث».

نختم حديثنا بالتأكيد على أن طريقة بوباث في العلاج الطبيعي عبارة عن طريقة شمولية تطبق بشكل مختلف من طفل إلى آخر اعتمادا على طبيعة ودرجة المشكلة التي يعاني منها وتقوم على مبدأ كبح الانعكاسات غير الطبيعية وعلى الاعتماد على نقاط التحكم الرئيسية لتزويد الطفل بالخبرات الحركية الطبيعية من أجل تكوين نمط حركي طبيعي وتمكينه من التحكم بجسمه بشكل أفضل من أجل تحقيق أعلى درجة من الاستقلالية في أنشطة الحياة اليومية.

ناظم فوزي - بكالوريوس في علم الإعاقة ماجستير في اضطرابات اللغة والكلام