لا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً بالموسيقى وبشؤونها، أو خبيراً بالغناء وبالطرب، لكي يعلن، ببساطة وبوضوح وبثقة، اعتزازه بسيد دوريش، أحد الرواد الكبار للموسيقى العربية، لحناً وغناءً، منذ مطالع القرن العشرين. يكفي أن يستمع المرء إلى أغانيه وإلى ألحانه، سواء بصوته هو، أم بأصوات الذين يبدعون في تقليد صوته، أم الذين يستلهمون تراثه ويعيدون بناءه، من خلال التوزيع الجديد للموسيقى وإضافة آلات جديدة إلى الآلات القديمة، يكفي ذلك مفتاحاً للدخول إلى عالم هذا الموسيقي والمغني العبقري الذي يحمل اسم سيد درويش.
إلا أن هذا التميز الذي عرف به سيد درويش، وعرف به تراثه الموسيقي والغنائي، لا يضعه في موقع أرقى ممن سبقوه إلى تلك الريادة، وبعضهم كان من أساتذته، من أمثال عبده الحامولي وسلامة حجازي وآخرين من هؤلاء الكبار. هذا أمر لا جدال فيه. لكن اسم وتراث سيد درويش قد امتد في الزمن طويلاً، ربما أكثر من بعض أولئك الكبار ممن سبقوه في الريادة.
وظل، برغم مرور الأعوام التي تقارب التسعين على وفاته، قوي الحضور إلى الحد الذي تكاد تتصوره شاخصاً أمامك، وأنت تستمع إليه يغني بصوته، أو حين تستمتع إلى أغانيه مغناة بأصوات جديدة جميلة أخرى تقلد صوته بإتقان. وهو أمر يشير إلى أن هذا الفنان الكبير يتحدى الموت الذي جاءه مبكراً جداً، ويتحدى المسافة الزمنية الطويلة، التي كثيراً ما جعلت كباراً آخرين، بخلاف سيد درويش، يدخلون، مع الزمن، في دائرة النسيان.
علاقتي بفن سيد درويش الموسيقي والمغني هي علاقة قديمة في الزمن. إنها تعود إلى زمن الشباب. وهي علاقة ثابتة لا تقوى تحولات الزمن الحالي، بايجابياتها وبسلبياتها، على إحداث الخلل فيها. وأذكر أنني التقيت، في عام 1974 في الإسكندرية، بابنه محمد البحر. كنت في ذلك اللقاء مع زوجتي نجوى نزور الإسكندرية برفقة المحامي اليساري الصديق فوزي حمزة.
ذهبت إلى ذلك اللقاء مع محمد البحر بشغف، حاملاً معي الكثير من الأسئلة عن سيد درويش، منتظراً أجوبة من ابنه تشفي رغبة جارفة عندي لمعرفة أكثر ما يمكن عن تاريخ هذا الرائد، خارج الكتب والكتابات، وخارج المدائح التي حفلت، ولا تزال تحفل بها، وسائل الإعلام، المدائح التي تتغنى بمجد سيد الموسيقى وسيد الغناء العربي الأصيل.
كان اللقاء مع محمد البحر جميلاً وحميمياً. سمعت من الرجل عدداً من القصص والروايات البسيطة عن سيد درويش، الأب والمغني والملحن. واستمعت إليه يغني بعض ما لم يكن معروفاً ومعمماً من أغاني سيد درويش. وكم أسفت لأنني لم أسجل تلك الأحاديث، وتلك الأغاني خصوصاً، حتى وإن كانت قد جاءت بغير صوت صاحبها.
يكفي، بالنسبة إليّ يومذاك، أنني التقيت بابن سيد درويش. إلا أنني سمعت في ذلك اللقاء من محمد البحر شكوى مريرة من عدم الاهتمام باقتراحات كان قد تقدم بها إلى بعض الجهات الرسمية حول تراث والده. إلا أنه، بالمقابل، لم يتجاوب معي في الاقتراح الذي حملته إليه، باسم دار الفارابي في ذلك التاريخ، الاقتراح القاضي بخلق آلية للتعاون مع بعض المؤسسات الثقافية، ومن بينها دار الفارابي، لتحقيق ما كان يريد محمد تحقيقه بخصوص تراث والده.
سيد درويش.. روح الموسيقى والغناء العربي الأصيل
لم يغب سيد درويش عن استماعي إلى أغانيه، بصوته وبأصوات الآخرين. وتحتفظ مكتبتي الموسيقية بعدد من الأسطوانات المضغوطة التي تتضمن عدداً من أغانيه الجميلة. وهي أغان تظل، برغم مرور الزمن، كأنها بنت اللحظة الراهنة.
من طريف المصادفات، أنني اكتشفت، وأنا أكتب عن الممثل المسرحي نجيب الريحاني، أحد رواد المسرح الكوميدي في مصر، منذ عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، عناصر الشبه بين الريحاني وسيد درويش، في النشأة الصعبة وفي المعاناة التي رافقتهما في حياتهما. كما اكتشفت علاقة الصداقة بينهما، التي جعلتهما يلتقيان في عدة أعمال مسرحية مشتركة.
ولد سيد درويش عام 1892، في كوم الدكة، الحي الشعبي في مدينة الإسكندرية. كان والده يملك حانوتاً متواضعاً في سوق ذلك الحي الشعبي. وكانت الأسرة مؤلفة من الأب والأم وأربعة أولاد، ثلاث بنات وصبي هو سيد. وكانت الظروف السياسية صعبة. إذ كان الإنجليز قد انتصروا على ثورة أحمد عرابي ونفوه، وطردوا الجنود المصريين، واحتلوا مواقعهم في المدينة، في قلعة حي الدكة بالذات. وكان الجنود البريطانيون يمارسون القهر والعسف في المدينة، ويعيثون فيها فساداً. وكانت المعارضة الوطنية تقوم بتظاهرات الاحتجاج ضدهم.
في هذه البيئة نشأ سيد، وعاش طفولته. وفي سن الخامسة أدخله والده كتاب الحي، غير بعيد من منزله. توفي والده عندما بلغ السابعة من عمره. فخرج من الكتاب، وانتقل إلى مدرسة في حي رأس التين عرفت باسم «شمس المدارس». ويمضي الطفل قدماً في تلك المدرسة. وكان من أهم ما ترك تأثيراً على مستقبله الفني في تلك المدرسة هو ما كان يتلقاه من أناشيد ومقطوعات غنائية كانت تعرف بالسلامات.
في عام 1905، وكان قد بلغ الثالثة عشرة من عمره، التحق بالمعهد الديني الذي كان قد أنشئ في الإسكندرية، ليتابع في إحدى الفرق تجويد القرآن. وكان عليه أن يتزيّا بزيّ قراء عصره المعممين. وكان يمارس التجويد في مسجد «أبو العباس».
ثم انتقل من فرقته الأولى إلى فرقة ثانية ليتابع التجويد في مسجد الشوربجي، الذي كان يمارس فيه الآذان طيلة العام الدراسي. وسرعان ما انجذب الفتى إلى العمل الفني في ميدان الغناء، عندما اكتشف أن موهبته الفطرية، التي ظهرت بالتجويد وبالآذان، تقوده ذلك. فترك الدراسة وانصرف إلى الفن. إلا أن بواكير موهبته الفنية برزت وترسخت بالأناشيد وبقراءة الموالد في الحفلات العامة وفي الأعراس. ولم يكن ذلك يرضي والدته، ولا كان يرضي إدارة المدرسة. ففصل من المدرسة في نهاية العام الدراسي.
مع كامل الأصلي
كان سيد يحلم، وهو يستمع إلى مشاهير القراء، بأن يصبح واحداً منهم. غير أن الأمور جرت في غير ما كان يحب. لقد ضاقت سبل الحياة في وجهه، وثقل عليه عبء المعيشة. وضاعف هذا العبء أنه كان قد تزوج قبل أن يتجاوز سن السادسة عشرة. إذ أصبح لزاماً عليه أن يفكر في شأن والدته وأخواته وزوجته. وظل يتلمس الوسائل للعيش إلى أن التحق بفرقة كامل الأصلي .
وهي كانت فرقة تهريج مرتجلة. إلا أن الفرقة انحلت قبل أن يفيد من وجوده فيها. فعاد أدراجه إلى الحيرة والبحث. وكان كثيراً ما يستمع إلى غناء الشيخ علي الحارث، الذي كان يجمع بين ترتيل القرآن وإنشاد المدائح النبوية. فكان يحاول تقليده. كما كان يستمع إلى الشيخ سلامة حجازي، ومنافسه الشيخ علي فياض، وإلى غيرهما من أعلام الغناء في الإسكندرية.
ولم يمض وقت حتى كان قد بدأ يجيد غناء القصائد والموشحات التي كان عبدو الحامولي ومحمد عثمان وإبراهيم القباني أبرز ممثليها. لكن صعوبة الحياة اضطرته إلى العمل في أحد المقاهي الشعبية، التي يرتادها السكارى. وكان لزاماً عليه في ذلك المقهى أن ينتقل من المدائح النبوية والمقطوعات الدينية إلى أغان وطقاطيق بالغة الرداءة. وكان عليه أن يكتفي بنصيبه من هبات السكارى.
وحين لم يكن العمل في تلك المقاهي ليكفيه ضرورات العيش، أغراه أحد أصدقائه بالعمل معه في ميدان البناء ومشتقاته. وكان سيد قوي الإرادة، لا يستنكف عن العمل أيا كان نوعه، بالنظر إلى حاجته الملحة لكسب قوته وقوت أسرته. فقبل العرض، وأخذ يزاول مهنته الجديدة، كعامل يعنى بطلي جدران المنازل. وكان يسمع زملاءه عمال البناء بعض الأغاني والأهازيج. وتشاء الصدف أن يسمع الممثل أمين عطالله، من مقهى مجاور للبناء، سيد درويش وهو يغني. فأعجب بغنائه، وقرر، بالاتفاق مع أخيه سليم عطالله مدير فرقة التمثيل والغناء، ضم الشاب سيد إلى الفرقة.
واصطحبه مع الفرقة إلى بلاد الشام في عام 1909. في تلك الأثناء، وهو في مرحلته الشامية، رزق سيد بابنه محمد البحر. لكن تلك الرحلة كانت فاشلة. ولم تستغرق إلا عشرة أشهر، اضطر بعدها للعودة إلى الإسكندرية، طالباً من أسرته إمداده بنفقات العودة. لكن تلك الرحلة، برغم ما أصابه فيها من فشل وخسارة، أتاحت له فرصة التعرف إلى الشيخ عثمان الموصللي، الذي كان قد أخذ عنه وعن غيره، في تلك الرحلة وفي الرحلة التالية التي قام بها إلى بلاد الشام، الكثير من أصول فن الغناء.
نشيد بلادي .. بلادي
عاد سيد من رحلته البائسة تلك ليستأنف حياته الماضية، متنقلاً من مقهى إلى آخر. وانتهى به المطاف إلى الغناء في أحد البارات. وعلى أثر خلاف مع زوج شقيقته الكبرى، حول مستوى عمل سيد، قبل أن يعمل كاتباً في محل لتجارة الأثاث. وبعد أربعة أشهر أسعفته الصدف مرة أخرى للقيام برحلته التالية إلى الشام. وكان ذلك في عام 1912. كانت الرحلة الثانية أقل بؤساً.
عاد بعدها سيد إلى الإسكندرية ليقيم فيها طوال سنين الحرب العالمية الأولى. في نهاية تلك الحرب انتقل سيد من الإسكندرية إلى القاهرة. وتعتبر مرحلة الإسكندرية تلك، في حياة سيد درويش، مرحلة التحصيل الحقيقي والإنتاج القائم على دراسة علمية فنية سليمة. كما تعتبر مرحلة الإنتاج لغالبية أغانيه وألحانه. أما المرحلة الثالثة من حياته فتبدأ من لحظة انتقاله من الإسكندرية إلى القاهرة وإقامته فيها، أي منذ عام 1917 إلى نهاية حياته. وهي مرحلة القمة في بناء مجده الفني.
كانت وسيلته الأولى لكسب العيش هي إقامة حفلات الغناء في المقاهي الكبيرة ذات المستوى الراقي هذه المرة. وجاء ذلك بعد أن عمل على استكمال «تخته» الموسيقي الخاص به، وعلى ضم مجموعة من ذوي الخبرة إليه. وقد أكمل إجادة العزف بالعود أثناء غنائه في «التخت». وبدأ يقدم الألحان من إنتاجه، ويقوم بأدائها حيناً، أو يوكل ذلك إلى أحد المطربين المعروفين.
وكانت موهبته الفنية تتعدى التلحين الموسيقي إلى تأليف الزجل والشعر. إلا أنه كان يهتم بالأناشيد الوطنية، بخلاف ما كان سائداً في زمانه من الأناشيد التي كانت تمجد الحكام ومن يلوذ بهم. من تلك الأناشيد نشيد «بلادي» الوطني، الذي استوحاه سيد من إحدى خطب مصطفى كامل. كما كانت له أغان في الهجاء والسخرية ممن كان يطيب له أن ينال منه.
وكان من بين تلك الأغاني واحدة ألفها لغانية من غانيات الإسكندرية اسمها جليلة. وكان قد تعرف إليها وجن بها هياماً. ولحن لها دوره الخالد «ياللي قوامك يعجبني». ولما هجرته جليلة مع غريم له ضاق بتصرفها وقام بإعداد الأغنية الهجائية التي ذاعت وانتشرت. فجاءته جليلة باكية معتذرة.
زوروني كل سنة مرة
كان سيد يتطور مع العمر، ومع التجربة التي خاضها في الخلق الفني وفي المعاناة. وكان من أبرز ما رافق تطوره ذاك أنه اعتبر أن الطرب بذاته لا يشكل هدفه الفني. إذ هو رأى أن عليه أن يربط في فنه بين الموسيقى وبين ما يقصد هو إليه من معان. وصادف أن سمع جورج أبيض، لدى انتقاله بفرقته التمثيلية إلى الإسكندرية في عام 1917، أغنية «زوروني كل سنة مرة» يؤديها سيد بصوته في أحد المقاهي.
وبلغ من فرط إعجاب أبيض بتلك الأغنية أن طلب إلى الفنان تلقينها لحامد مرسي ليؤديها في حفلات فرقته، التي كانت تقدم تمثيلية «لويس الحادي عشر». لكن ما أن بلغ نجاح الأغنية في تلك الليلة ذروته حتى ضاق صدر جورج أبيض. إذ أحس بالفن الموسيقي يغزو فنه الدرامي، فأخذ يغري سيد درويش، بشتى الوسائل، بالرحيل إلى القاهرة للعمل فيها معه، حيث مجال الموسيقى فيها أرحب وأجدى منه في الإسكندرية. ووعده بأن يعهد إليه فيها بتلحين مسرحياته الغنائية.
كان انتقال سيد إلى القاهرة في البداية استمراراً لحياته البائسة. إلا أنه سرعان ما التقى فيها بسلامة حجازي، الذي كان يعتبره مثله الأعلى. وكان ذلك قبيل رحيل هذا الأخير. وكان حجازي قد استمع إلى بعض أغاني سيد في الإسكندرية وأعجب بها.
فشجعه على المضي في طريقه التجديدي في فن الموسيقى والغناء. إلا أن حجازي ما أن علم بالوضع المأساوي لسيد في معيشته حتى سارع إلى مد يد العون له، وأشركه في الإنشاد معه في مسرحيته «غانية الأندلس». لكن سيد سقط في الامتحان. إذ استقبله الجمهور بكثير من الفتور، بالنظر لوجوده إلى جانب حجازي، الذي كان سيد الغناء والطرب في ذلك التاريخ.
ولم يمض وقت حتى بدأ الناس يتعرفون إلى صوت سيد، ويعجبون به. وهكذا بدأ ينتقل، في القاهرة بالذات، بعد معاناته الأولى الصعبة، إلى ذرى المجد. وصارت الفرق تتسابق لطلب الاتفاق مع سيد على العمل معها.
ثم انضم من جديد إلى فرقة جورج أبيض، ثم إلى فرقة نجيب الريحاني، ثم إلى فرقة علي الكسار أيضاً. لكن سيد درويش، الذي صار واحداً من كبار المغنين والملحنين، وريث سلامة حجازي وعبده الحامولي وآخرين، كان يتطور في فنه، شكلاً ومعنى وأداء. وكان أهم ما تميز به فنه، في تطوره المتصاعد، هو أنه كان صادقاً في التعبير عن مشاعر وهواجس وتقاليد شعبه.
من النسيان إلى الشهرة
مات سيد درويش عام 1923. ولم تحتفل بموكب تشييعه لا الدولة ولا الشعب ولا الصحافة. وظل منسيّ الذكرى ردحاً غير قليل من الزمن. ولعل الكاتب الكبير عباس محمود العقاد خير من صوّر محنة هذا الحمود الوطني وعدم تقدير الفن والفنانين. فقد نشر في جريدة «البلاغ» بتاريخ 29 أيلول سبتمبر 1925 تحت عنوان «سيد درويش»: «في مثل هذا الشهر منذ عامين مات السيد درويش... مات والقطر كله يصغى إلى صوته...
وسمع نعيه من سمعوا صوته... فما خطر لهم، إلا القليلين منهم، أنهم يسمعون نبأ خسارة خطيرة، وأن هذه الأمة فجعت في رجل من أفذاذ رجالها المعدودين... لكن الأمة الكاملة مع هذا عجزت عن قضاء حق الفرد.. ولم تبالي حكومتها أن تشترك في تشييع جنازته، وإحياء ذكراه، كما تبالي بتشييع جنازات الموتى الذين ماتوا يوم ما ولدوا».
غير أن مجد سيد درويش سرعان ما عاد إلى البروز من جديد بعد وفاته بفترة من الزمن. ولعل أول حفل أقيم على مستوى فني عال يحمل في الوقت ذاته الصيغة الرسمية والشعبية، ذلك الحفل الكبير الذي أقيم لتخليد ذكرى سيد درويش في عام 1931 بمسرح حديقة الأزبكية.
وقد اشترك في إحيائه موكب ضم أصدقاءه وزملاءه وعارفي فضله، أمثال فرقة نجيب الريحاني وعلي الكسار وزكي عكاشة وزكريا أحمد محمد عبد الوهاب وفتحية أحمد وحياة صبري وغيرهم، بغنائهم، وبديع خيري بأزجاله، وأحمد شوقي بقصيدته العصماء.
وما زالت الذكرى تتجدد عاماً بعد عام إلى أن جاء افتتاح الراديو في مصر، فأصبح هذا الجهاز، بما كان يردده من ألحان سيد درويش، بمثابة ذكرى متجددة على مدى الأعوام لهذا العبقري. ثم توالت مبادرات التكريم. فتأسست في القاهرة في عام 1947 جمعية أطلق عليها اسم جمعية «أصدقاء موسيقى سيد درويش»، ضمت عدداً من كبار الشخصيات من فنانين وأدباء وهواة للفنون خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية إصدار طابع تذكاري باسمه لمساعدة تلك الجمعية على تحقيق أغراضها وتخليد ذكرى سيد درويش.
وفي عام 1958 أصدرت وزارة المواصلات طابع بريد يحمل صورة سيد درويش. ثم أقامت الدولة للفنان لوحة تذكارية في ردهة دار الأوبرا في القاهرة ضمت اسم سيد درويش وعدداً آخر من كبار أعلام الفن في مصر. كما أقيم له تمثال نصفي في دار المعهد العالي للموسيقى العربية. وأطلق اسمه على أحد شوارع القاهرة. وهذا الشارع يتوسط شارعين أحدهما باسم نجيب الريحاني والثاني باسم زكريا أحمد.
لم يكن سيد درويش حدثاً في تاريخ مصر مثل سائر الأحداث. لقد تحول، بعد عدة أعوام من وفاته إلى حدث دائم، يتكرر في حياة الشعب المصري، ويتجاوز حدود بلده إلى سائر العالم العربي، كفنان كبير، فنان بكل المعاني، يعيش في قلب شعبه، وفي أحاسيسه. وبهذا الفن الذي أبدعه صار سيد درويش أسطورة مصر الموسيقية والغنائية.