الاربعاء 1 رمضان 1423 هـ الموافق 6 نوفمبر 2002 يعد الجنرال جاك ماسو، الذي توفي مؤخرا عن عمر يناهز 94 عاما، واحدا من اشهر الشخصيات العسكرية في تاريخ فرنسا المعاصر. فقد اشترك في حروب تحرير باريس، العدوان الثلاثي على مصر، وفي الحروب الفرنسية في الهند الصينية، وكذلك في معركة الجزائر، التي تسببت في تشويه سمعته. وكان كل شيء في شخصية ماسو بما في ذلك صوته القوي الاجش يوحي بأنه جندي شرس ومقاتل. وقد ولد ماسو لعائلة عسكرية في مدينة شالو المطلة على نهر المارن وتخرج في اكاديمية سان سير العسكرية وخدم في غربي افريقيا الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي وعندما بدأ الجنرال لوكليرك في حشد قوى المستعمرات لدعم قضية الجنرال ديجول بشأن فرنسا الحرة، وذلك بعد ان طلب المارشال بيتان الهدنة من الالمان في يونيو 1940، انضم ماسو الذي كان يحمل رتبة كابتن وقتها للعمل مع الجنرال لوكليرك في كل من تشاد وليبيا وتونس. ونزلت ثاني فرقة مدرعة من فرق لوكليرك في فرنسا في اغسطس 1944 وذهبت لتحرر باريس، واستطاعت كتيبة ماسو تأمين فندق بون دي سيغريس في الرابع والعشرين من اغسطس العام نفسه ولعب دورا مهما في آخر المعارك التي وقعت في اليوم التالي وكان وقتها يحمل رتبة قومندان. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خدم ماسو مع لوكليرك في الهند الصينية وتدرب في سلاح المظلات، ونفذ عدة مهام في تونس وغرب افريقيا وبعد ترقيته الى رتبة جنرال في عام 1955، قام بتشكيل فرقة المظلات العاشرة، التي قادها اثناء حملة فرنسا على مصر في اطار العدوان الثلاثي عام 1956. وأصابه الاحباط بعد ان تمت تسوية الصراع بطريقة دبلوماسية، ونما لديه الاقتناع بأن هناك بعض الساسة الفرنسيين الذين كانوا مستعدين للتخلي عن المصالح الحقيقية لفرنسا. وبحلول الشهور الاولى من عام 1957 كانت الجزائر تغلي بنيران حرب الاستقلال. وفي السابع من يناير 1958 عندما دعت جبهة التحرير الوطني الجزائرية لتنظيم اضراب عام تم تكليف ماسو بالسيطرة على الاوضاع في العاصمة الجزائر التي كانت تعد مركز الانشطة المعادية لفرنسا. ولم يرق له ما كان يطلق عليه «عملية الشرطة» لذا اعتمد على خدمات الاستخبارات، وقام بتنظيم قواته للاشراف على مجريات الامور. وقام الفرنسيون بانهاء الاضراب بصورة وحشية، وأجبروا أصحاب المتاجرعلى فتوح محلاتهم واستئناف العمل، وأجبروا آخرين على العودة للعمل. وتم الاستيلاء على امدادات الاسلحة التي كانت تصل الى ابناء الشعب الجزائري وتم اعتقال الألوف من الناس واجراء تحقيقات معهم. وكانت النتيجة انه بحلول اكتوبر انتهت الانشطة المعادية لفرنسا بشكل فعلي، وعادت مطاعم المدينة ودور العرض السنمائية بها الى مزاولة نشاطها. واضحى ماسو وفرقة المظلات التابعة له ابطال ما اطلق عليه اسم «معركة الجزائر». وبشكل سريع حدث امر غير متوقع، تمثل في فضيحة عالمية اتهم فيها ماسو باللجوء الى اشد انواع التعذيب والتنكيل ضد المواطنين الجزائريين. ومما زاد الامور سوءا علم الحكومة الفرنسية، التي كان يقودها حينذاك الاشتراكي جي موليه، بالأمر، فوافقت على اتخاذ الاجراءات القانونية الضرورية بحق ماسو. وقد ادت الازمة الى حدوث انشقاق في المؤسسة الفرنسية، فقد حكم بالسجن 60 يوما على الجنرال باريس دي بولارديير بسبب ما اعتبر انه انتهاك للقيم الاخلاقية الفرنسية من قبل قوات المظلات الفرنسية. وعلى الرغم من ذلك استمرت موجة التعذيب، وعندما اصدر ماسو في عام 1971 الطبعة الاولى من مذكراته في الجزائر اعترف بمسئوليته عما جرى من تعذيب ضد ابناء الشعب الجزائري، مدعيا ان هذا كان السبيل الوحيد لانتزاع معلومات بشأن الانشطة المعادية لفرنسا ومنع قتل الابرياء على حد تعبيره. وعلى الرغم من انه كان يخشى ان تكون باريس على وشك التخلي عن الجزائر، لم يشترك ماسو في اي جانب من المؤامرات السياسية التي ابتليت بها فرنسا في عام 1958، ولكنه وافق بعد ذلك على ان يقبل منصب رئيس لجنة الامن والسلامة العامة. ونفى ان يكون هذا يمثل انقلابا ووصفه بأنه انعكاس للرأي العام ولكنه اتفق مع فكرة «عملية البعث» التي بمقتضاها استطاع رجال المظلات التابعون له الهبوط في قاعدة فيلا كوبلاى بالقرب من باريس اذ انه في هذه الحالة سيكون الجنرال ديجول مضطرا لتولي مقاليد الحكم وسيضطر ساسة باريس الى القبول به وفي الرابع والعشرين من مايو، استولت فرقة المظلات التابعة لماسو على كورسيكا. ورفض ديجول ان يدين هذا الغزو ولكنه في السابع والعشرين من مايو اعطى تعليمات غير رسمية بالتخلي عن «عملية البعث» وبمجرد ان اصبح في السلطة قام ديجول بالتخلي عن اعضاء لجنة الامن والسلامة العامة باستثناء ماسو، الذي كان ينظر اليه على انه افضل شخص يدير الجزائر وتم اسناد مهمة السيطرة على هذه المنطقة العسكرية المهمة للغاية لماسو الذي جرت ترقيته بعد ذلك الى رتبة قائد فرقة في يوليو 1958. ولكن ماسو لم يكن يشعر بالراحة ازاء الغموض الذي كان يشوب سياسات ديجول وحديثه عن «تقرير المصير»، وفي يناير 1960 تحدث الى صحافي الماني عن هذه السياسات، ولم يكن يدري فيما يبدو ان تصريحاته يتم تسجيلها وعندما تم نشر المقابلة جرى اعفاؤه بشكل مباشر وفوري من مهام منصبه. ولكنه لم يقبل المشاركة في اي مؤامرة ضد ديجول، او اي محاولة للاستيلاء على السلطة في باريس وقبل مبدأ ان تنال الجزائر استقلالها وصوت لصالح هذا المبدأ خلال استفتاء نظم في يناير 1961، وفي عام 1965 اصبح قائد القوات الفرنسية في المانيا. وبعد ذلك بثلاث سنوات وبالتحديد في 29 مايو 1968 غادر ديجول باريس لحضور اجتماع سري مع ماسو، في مقر قيادته في بادن بادن، حيث تزامن هذا مع مظاهرات الطلبة والعمال في باريس وقال البعض ان الاجتماع كان مجرد خدعة تسمح للرئيس بالاختفاء قبل الرجوع لاخذ المبادرة السياسية، غير ان ماسو ادعى ان ديجول كان مستعدا لان يستقيل وانه اقنع الرئيس الفرنسي بالعودة بتصميم وثقة جديدين. غير أن ماسو لم يهرب قط من ماضيه في الجزائر، ففي شهر يونيو 2000 نشرت سيدة تدعى لويزيت ايغلاريز رواية وقعت في سبتمبر 1957 حينما كانت عضوة في احدى القوات الخاصة الوطنية، وتم اسرها من قبل القوات الفرنسية، ونقلها الى المقر الذي كان يقيم فيه ماسو في الجزائر كان عمرها حينذاك لا يزيد على 20 عاما، واشارت في روايتها الى انه تم تعذيبها بشكل متواصل لمدة ثلاثة اشهر. وقد اعترف ماسو بصحة الرواية وأعرب عن أسفه ازاءها، وكشف ماسو عن حقيقة انه قام هو وزوجته سوزان بتبني طفلين جزائريين، ففي عام 1958 قام بتبني طفلة تدعى «مليكة» عمرها 15 عاما وبعد ذلك تبنى طفلاً يتيماً يدعى «رودلف» 6 اعوام، وقال انه فعل ذلك من واقع اقتناعه بأن الفرنسيين والجزائريين يمكنهم التعايش معا. وقد توفيت سوزان قبل زوجها وكذلك ابنتهما، أما زوجته الثانية كاترين التي تزوجها في 1978 فلاتزال على قيد الحياة بعد موته في السادس والعشرين من اكتوبر الماضي. عن «جارديان»