مؤلف كتاب «مجاز القرآن» هو العالم اللغوي «أبو عبيدة معمر بن المثنى» الذي يعتبر من العلماء الرواد في البصرة، عاصر «الخليل بن أحمد الفراهيدي» و«الأصمعي» و«أبا زيد الأنصاري» وقد تميز «أبو عبيدة» بسعة الاطلاع على أخبار العرب وأيامهم، إضافة إلى اللغة والنحو، وقد عاش ما بين 110-209 هجرية.

ويعتبر كتاب «مجاز القرآن» أول دراسة تصلنا في هذا الميدان اللغوي في القرآن الكريم، إضافة إلى أنه يعتبر مرحلة أولية من مراحل تطور النقد والدراسات البيانية لأسلوب القرآن الكريم، وفي تطور الأدب العربي عامة، إلى جانب أن هذا الكتاب يعد مرجعاً لكثير من الدراسات اللغوية والأدبية التي تلت، لأن المؤلف علم من أعلام اللغة والأدب في القرنين الثاني والثالث الهجريين.

يقدم «أبو عبيدة» لكتابه بمقدمة في بحوث لغوية عامة في القرآن الكريم، يبدأها ببحث كلمة «قرآن» وله رأي خاص في اشتقاق هذه الكلمة ينقله عنه المتأخرون، وهو قوله: إنما سمي قرآناً لأنه يجمع السور وتفسير ذلك في آية من القرآن، قال الله جلّ ثناؤه «إنّ علينا جمعَه وقرآنه» - القيامة .. ويستشهد على ذلك أيضاً من كلام العرب.

وبعد ذلك يتناول السور والآيات تناولاً تنازلياً، يبدأ بسورة الفاتحة. ويتبع في تفسيره نظاماً لا يحيد عنه، وهو:

1ـ يبدأ بشرح الآية الكريمة بآية أخرى ما أمكن .

2 ـ يتبعها بحديث شريف في المعنى نفسه.

3 ـ ثم يتبعها بالشاهد الشعري القديم، أو بكلام العرب الفصيح كالخطب والأمثال والأقوال المأثورة.

ويحرص «أبو عبيدة» على أن يؤكد دائماً صلة أسلوب القرآن الكريم وفنون التعبير فيه، بأساليب العرب وفنونهم، فيذكر دائماً في ختام كلامه: أن العرب تفعل هذا.كان «أبو عبيدة» يدير لفظ «مجاز» على أمر في نفسه، وأنه التزم فكرة بعينها كانت تشغل ذهنه، فلم تكن هذه الكلمة تعبر عن مدلول كلمة تفسير، أو كلمة معنى بصفة مطلقة، وهذا لا ينفي إطلاقها أحياناً في ذلك المعنى.

فكان «أبو عبيدة» يستعمل في تفسيره للآيات هذه الكلمات: (مجاز كذا) و(تفسيره كذا) و (معناه كذا) و(تقديره) و(تأويله) على أن معانيها واحدة أو تكاد، ومعنى هذا كلمة «المجاز» عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن الكريم في تعبيراته، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال. وجاز في اللغة، بمعنى قطع جوز الفلاة، والمجازاة الطريقة، والمادة ومشتقاتها تعني الانتقال بوجه عام، ومنه التجوز في الشيء الترخص فيه.

وقد صرح «أبو عبيدة» أن العرب لم يكونوا في حاجة إلى مثل كتابه لفهم المجاز في القرآن، لأنهم أعرف بفنون القول في لغتهم، ومن ثم في القرآن، الذي جاء على أصول هذه اللغة عربياً مبيناً، فالفكرة التي تراوده وهو يؤلف كتابه، كانت مدرسية، يحاول أن يضع أمام طبقة المستعربين صوراً من التعبير في القرآن الكريم.

وما يقابله من التعبير في الأدب العربي شعراً ونثراً، ويبين ما فيها من التجاوز أو الانتقال من المعنى القريب أو التركيب المعهود للألفاظ والعبارات إلى معان أخرى اقتضاها الكلام. فمثلاً: قد ينقلب معنى وراء إلى قدام، في قوله تعالى «من ورائهم جهنم» مجازه قدامه وأمامه، يقال: عن الموت من ورائك أي قدامك.

وكذلك التغير في الصيغة بزيادة في الحروف، كأن يكون مدلول مطر غير مدلول أمطر في تفسيره لقوله تعالى: «فأمطر علينا حجارة من السماء» ـ الأنفال ـ مجازه أن كل شيء من العذاب، فهو أمطرت بالألف، وإن كان من الرحمة فهو مطرت.

ويهتم «أبو عبيدة» في مواضع كثيرة بصيغة أفعل في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: «وهو أهون عليه» - الروم - مجازه مجاز ذلك هيّن عليه، لأن أفعل يوضع موضع الفاعل: قال:

لعمرك ماأدري وإني لأوجلُ

على أيّنا تأتي المنيّة أول

إني لأوجل: أي وجل، وفي الأذان: الله أكبر ، الله أكبر، وهكذا قد تتغير صيغة التفضيل فتصبح مجرد فاعل.

وخلاصة القول إن كتاب «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، كان خطوة في سبيل الكلام في طرق القول أو (المجاز) بمعناه العام، وقد حاول أن يكشف عن بعض ما جاء من ذلك في أسلوب القرآن الكريم، مع مقارنته بما جاء في الأدب العربي، وساعده عليه محصوله اللغوي والأدبي الغزير.

حتى قال الجاحظ عنه: لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلم من أبي عبيدة، وقد عاصر علماء اللغة كالأصمعي وأبي زيد، وكان بينهم من الخلاف ما يكون بين المعاصرين، ولكن خلافهم هذا لم يصل إلى الريبة في الثقة بما يرويه كل واحد منهم.