مؤلفة هذا الكتاب هي الصحفية الأميركية جورجينا هاويل. وهي تقدم هنا صورة عامة عن حياة واحدة من أكبر الجاسوسات في التاريخ العالمي، إنها البريطانية جيرترود بيل. ومنذ البداية تقول بما معناه:ولدت جيرترود بيل عام 1868 في إقليم دورهام بانجلترا داخل عائلة كبيرة وذات نفوذ ضخم في المجتمع الانجليزي والدولة الانجليزية أيضا.
فهي حفيدة أحد الصناعيين البريطانيين الكبار: إسحاق بيل. ومنذ سن السادسة عشرة أدخلوها إلى جامعة أوكسفورد حيث تخرجت بعد سنتين فقط وفي جيبها شهادة في علم التاريخ. وبالتالي فقد كانت ذكية جدا وذات نضج عقلي وفكري مبكر. وهذا ما أتاح لها أن تصبح فيما بعد كاتبة، ومحللة سياسية، وموظفة بريطانية، وجاسوسة من أعلى طراز.
وقد حصلت في النهاية على وسام الإمبراطورية البريطانية وهو من أرفع الأوسمة في انجلترا إن لم يكن أرفعها. وقد أجمع المؤرخون فيما بعد على أنها هي التي أدت إلى تشكيل دولة العراق الحديث بعد الحرب العالمية الأولى، وهي التي ساهمت في تأسيس السلالة الهاشمية أيضا.
وكل ذلك بالتعاون مع لورنس العرب بالطبع الذي تفوق عليها من حيث الشهرة والألمعية. لقد غطّى اسمه على اسمها على الرغم من أهمية الدور السياسي والمخابراتي الكبير الذي لعبته في تلك الفترة. ولكنهما اشتغلا يدا بيد وجنبا إلى جنب في الواقع. واستطاعا إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
ومعلوم أنهما اللذان حثّا العرب على الانتفاضة ضد السلطة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى بقيادة الشريف حسين بن علي. وبعدئذ كافأوا السلالة بإعطائها شرقي الأردن والعراق. وكان العراق قبل ذلك منقسما إلى ثلاث ولايات كبرى منفصلة عن بعضها البعض، هي ولاية الموصل في الشمال، وولاية بغداد في الوسط، وولاية البصرة في الجنوب.
ثم تردف المؤلفة قائلة:
لكي نفهم مسيرة هذه المرأة السرية الخطيرة ينبغي أن نعود إلى البدايات الأولى. من المعلوم أن خالها كان سفيرا لحكومة صاحبة الجلالة في طهران بإيران. وفي عام 1892 سافرت جيرترود بيل إلى هناك لزيارته وكانت في أول الشباب: أربعة وعشرين عاما. وقد تحدثت عن قصة زيارتها هذه في كتاب بعنوان: صور فارسية.
وذلك لأنها لم تكن قد أصبحت جاسوسة بعد وإنما كانت أديبة وكاتبة بالدرجة الأولى. وهذه هي حالة لورنس العرب كما نعلم. فقد خلف وراءه كتابا شهيرا بعنوان «أعمدة الحكمة السبعة». وهو مترجم إلى معظم اللغات العالمية، وله قيمة تاريخية وفكرية لا تنكر.
لكن لنعد إلى جيرترود بيل. خلال عشر سنوات بعد ذلك أمضت حياتها في السفر والرحلات، بل ومارست هواية تسلّق الجبال في سويسرا الساحرة. ودرست علم الآثار واللغات الشرقية والغربية، كالعربية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والفارسية، والتركية. ويستغرب المرء كيف استطاعت أن تتعلم كل هذه اللغات. ولكن يبدو أن الجواسيس آنذاك كانوا أناسا جادين ويحتاجون إلى معرفة عدة لغات لإتقان عملهم وأداء مهامهم على أفضل وجه في العديد من البلدان.
ثم تردف المؤلفة قائلة: وفي عام 1899 سافرت إلى الشرق الأوسط وزارت فلسطين وسوريا لأول مرة. ثم زارت جبل الدروز في ثياب شخص بدوي أو عربي لكي تشبههم، وقابلت أميرهم الذي كان يدعى آنذاك يحيى بك.
ثم عادت إلى الشرق الأوسط بعد ذلك مرة ثانية عام 1905 وزارت كل مناطقه وبلدانه وتعرفت على سكانه وشعوبه. ودرست عندئذ العديد من المواقع الأثرية في سوريا ولبنان وفلسطين، وقابلت العديد من الشيوخ والأمراء العرب من دروز وغير دروز.
وبعدئذ نشرت كتابها بعنوان: «الصحراء والزرع» لكي تلخص فيه حصيلة أبحاثها ومشاهداتها هناك. وهذا الوصف الحي فتح أعين الغرب على جمال الصحراء العربية ومجاهيلها وأسرارها. كما وفتح شهية الغرب على استعمار أراضي العرب وتقسيمها بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
وفي عام 1907 ذهبت جيرترود بيل إلى تركيا حيث اشتغلت مع عالم الآثار المختص بالبحث عن العهد الجديد: ويليام رامسي. والمقصود بالعهد الجديد الإنجيل بطبيعة الحال. وقد تحدثا عن ذلك في كتاب بعنوان: ألف كنيسة وكنيسة. وكان هدفهما التوصل إلى معلومات دقيقة عن بدايات المسيحية الأولى وكيفية تشكل الإنجيل وأول جماعة مسيحية في التاريخ.
ثم تردف المؤلفة قائلة: وبعد ذلك سافرت جيرترود بيل إلى منطقة وادي الرافدين، أي العراق. وكان ذلك عام 1909. وهناك أيضاً راحت تبحث عن الآثار في بابل وسواها. ومعلوم أن العراق مليء بالآثار القديمة التي تعود إلى عصور سحيقة وحضارات عظيمة بائدة كحضارة الآشوريين والسومريين وبقية حضارات وادي الرافدين.
وهناك تعرفت لأول مرة على ت. ي. لورنس أو ما يدعى بلورنس العرب. وابتدأت تشتغل لصالح المخابرات البريطانية. وقد ابتدأت عملها هذا بتقديم تقارير عن خط سكك الحديد الذي يربط اسطنبول ببغداد ومدى تقدم أعماله أو عدم تقدمها.
ومعلوم أن هذا المشروع الكبير كان ينجز من قبل الألمان، أي الأعداء الألداء للتاج البريطاني والذين سيدخلون في حرب عالمية مع الانجليز والفرنسيين بعد خمس سنوات فقط من ذلك التاريخ. وقد التقت «بيل» بالمهندس الألماني الذي يشرف على المشروع: ميسنير باشا لكي تأخذ منه ما تستطيع من معلومات.
ثم قامت عام 1913 بزيارة الجزيرة العربية وكانت رحلة صعبة بالنسبة لها ومحفوفة بالمخاطر. وكانت أول امرأة أجنبية تزور الداخل السعودي أو ما سيصبح الداخل السعودي لاحقا بعد أن تتشكل المملكة عام 1932.
ولكنهم أرسلوها بعدئذ إلى القاهرة عام 1915 لكي تشتغل في المكتب العربي هناك. وكان يشرف عليه آنذاك الجنرال جيلبرت كلايتون. وهناك التقت بلورنس العرب مرة أخرى لأنه كان يشتغل لصالح المخابرات البريطانية مثلها.
وقدمت خبرتها عندئذ للمكتب العربي ولورنس وأعطتهم فكرة عن الحالة النفسية للقبائل العربية ومدى استعدادها للثورة على العثمانيين أم لا. وقد استغل لورنس هذه المعلومات أثناء مفاوضاته مع العرب.
ثم تردف المؤلفة قائلة: وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1919 كلفتها وزارة الخارجية البريطانية بتقديم تقرير شامل ومفصل عن أحوال العراق تمهيدا لاحتلاله. وقد استغرقت منها كتابته عشرة أشهر تقريبا، واعتبروه فيما بعد نموذجا رائعا على التقارير السياسية والمخابراتية التي ينبغي أن تحتذى.
ولكن النتائج التي توصلت إليها كانت لصالح العرب إلى حد كبير. ولذلك فإن رئيسها المباشر انقلب ضدها. ثم تختتم المؤلفة كلامها قائلة: إن تأثير جيرترود بيل كان حاسما على تشكيل دولة العراق الحديث عام 1920.
فقد رفضت إقامة دولة خاصة بالأكراد وأثبتت بذلك تحيزها للعرب. والواقع أنها رفضت ذلك أن الحكومة البريطانية كانت تريد الهيمنة على حقول النفط المتواجدة في الشمال. وهكذا ذهب الأكراد ضحية الأطماع النفطية لبريطانيا.
*الكتاب:جيرترود بيل، ملكة الصحراء وصانعة الأمم
*الناشر:فارار ستروس جيروكس نيويورك 2007
*الصفحات: 521 صفحة من القطع الكبير
Gertrude bell Queen of desert.shaper of nations
7002 y.n - xuorig suarts rarraF
215 .p